في موقف عدائي ومجاف للحقيقة ضد جنوب افريقيا، كونها اتخذت مواقف إنسانية وسياسية وقانونية داعمة للشعب العربي الفلسطيني، بسبب رفضها الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ورفعها دعوى قضائية لمحكمة العدل الدولية نهاية كانون أول / ديسمبر 2023، ومطالبتها باعتبار الدولة الإسرائيلية اللقيطة النازية، دولة إبادة جماعية مقترنة بالوقائع والوثائق الدامغة، وتمكنت من حشد عدد كبير من الدول العربية ودول العالم الرافضة لجرائم إسرائيل غير المسبوقة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وصل الى 60 دولة ومنظمة اممية، وعلى إثر مرافعات تلك الدول أصدرت المحكمة الدولية عددا من التدابير والاحكام، التي طالبت إسرائيل بالتوقف عن مواصلة ارتكاب الإبادة الجماعية في 26 كانون ثاني / يناير 2024، في ضوء هذه المواقف المنسجمة مع القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والشجاعة، شنت الولايات المتحدة الأميركية الى جانب أداتها الوظيفية إسرائيل حملة شعواء ضد دولة جنوب افريقيا، ومازالت تلاحقها في مختلف المحافل الإقليمية والدولية لثنيها عن موقفها الأخلاقي والقانوني والسياسي المتميز، لكنها رفضت رغم الإجراءات الأميركية الاقتصادية والتجارية والمالية المجحفة ضدها.
وكان آخر تلك المواقف المزعومة والمتجنية على جنوب افريقيا، ما ادعاه الرئيس دونالد ترمب أثناء لقائه الرئيس سيريل رامافوزا في البيت الأبيض يوم الأربعاء 21 أيار / مايو الماضي، حيث ادعى بأن جنوب افريقيا ترتكب “إبادة جماعية ضد البيض”، وروج لبضاعة فاسدة لعدد من العناوين المضللة، ولا أساس لها في الواقع الجنوب افريقي، وواجهها الرئيس الجنوب افريقي بهدوء شديد، ودحضها جميعا، ومن بينها: الادعاء باضطهاد البيض في جنوب افريقيا، وقال في المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيسين، بوجود حملة تطهير عرقي ممنهجه تستهدف المزارعين البيض، وهي مزاعم روجت لها مجموعات يمينية متطرفة منذ نهاية عام 1994، التي تبناها ايلون ماسك، الذي استقال من الإدارة الأميركية قبل أيام، والمولود في جنوب افريقيا. التي نفتها الحكومة جملة وتفصيلا، وأكدت ان العنف وعمليات القتل تطال الجميع، حيث يشهد المجتمع فيها أحد أعلى معدلات القتل في العالم، بمعدل 72 جريمة قتل يوميا. وكانت الشرطة سجلت عام 2024 ما يقارب من 26232 جريمة قتل، منها 44 فقط طالت الريف الجنوب افريقي، قتل فيها 8 مزارعين بيض.
وردا على ذلك، ردت المحكمة العليا في مقاطعة ويسترن كيب مطلع 2025، بأن مزاعم “الإبادة الجماعية للبيض” أوهاما لا أساس لها من الصحة، وعلى إثر حملات التشويه الملفقة، قررت المحكمة منع تقديم التبرع لجماعة عنصرية بيضاء.
كما اتهم ترمب حكومة جنوب افريقيا بمصادرة أراض يملكها البيض بالقوة من دون تعويض، بهدف توزيعها على السكان السود. بيد ان الوقائع تؤكد الى ان الدولة تنتهج سياسة تصويب الخلل التاريخي في ملكية الأراضي الناجمة عن مرحلة الفصل العنصري، عبر تحفيز السكان البيض على بيع أراضيهم طوعا ودون إجحاف او ارغام. غير ان هذه الجهود لم تنجح حتى الان. وكما هو معلوم يشكل البيض أقل من 8% من السكان، ومع ذلك، يمتلكون نحو 75% من الأراضي الزراعية الخاصة مقابل امتلاك السود 4% من الاراضي، مع ان عددهم يصل الى 80% من السكان.
وفي محاولة لإنجاز الإصلاح، وخلق نوع من التوازن النسبي في الملكية للأراضي الزراعية الخاصة، وقع الرئيس راما فوزا قانونا في كانون ثاني / يناير 2024، يسمح للدولة في ظروف استثنائية، مصادرة أراض للمصلحة العامة، دون ربط المصادرة بالتعويض، بعد ان تبذل جهودا مع المالكين للتوصل الى اتفاق مسبق، الا ان القانون لم يطبق حتى الان.
ومن الذرائع المزعومة، عرض ترمب مقطعا من أغنية “اقتلوا البوير” لزعيم حزب “مقاتلي الحرية الاقتصادية” اليساري جوليوس ماليما، معتبرا ذلك تحريض مباشر على قتل الافريكانيين، وهم البيض من أصول أوروبية الذين يملكون الغالبية العظمى من الأراضي الزراعية. الا ان الاغنية تعود الى زمن مقاومة نظام الفصل العنصري، وكانت أقرت 3 محاكم في جنوب افريقيا رفض الادعاء باعتبارها ذات صلة بخطاب الكراهية، كونها شديدة الارتباط بالكفاح التحرري لشعب جنوب افريقيا، وتمثل جزءً من التراث النضالي الافريقي.
ومن بين الوثائق المزعومة، عرض الرئيس ترمب مشهد لطابور من الصلبان البيضاء على جانب طريق سريع، مدعيا انها تشير الى “مواقع دفن” لضحايا من المزارعين البيض. بيد ان هذا الفيديو صّور في أيلول / سبتمبر 2020 خلال احتجاج على جريمة قتل ملفقة، واستخدم فيه البيض الصلبان بشكل رمزي إحياء ذكرى مزارعين قتلوا على مدى سنوات، وبالتالي الصلبان لا تعكس الحقيقة، وليست قبورا، بحسب تصريح منظم التظاهرة لهيئة الإذاعة الجنوب افريقية.
وعرض الرئيس الأميركي مقاطع من الفيديوهات الكاذبة والمزعومة، لكن الرئيس رامافوزا دحضها جميها، وكشف زيف الادعاء الأميركي بشجاعة واقتدار، ورغم ذلك مازال ترمب وادارته يحاولون الصاق تهمة “التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية” لحكومة جنوب افريقيا، الا ان مزاعمه باءت وستبوء بالفشل، وستبقى جنوب افريقيا نصيرة السلام والعدالة السياسية والقانونية وداعمة للشعب العربي الفلسطيني، ولن تتوقف عن ملاحقة إسرائيل النازية الى ان تتوقف عن الإبادة، وتمنح الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية للشعب والقيادة الفلسطينية على أرض وطنه الام فلسطين، تأكيدا لمقولة الرئيس الجنوب افريقي الراحل القومي الكبير، نيلسون مانديلا، الذي قال، ان تحرر جنوب افريقيا يكتمل بتحرر فلسطين.
