ورطة حماس المتفاقمة

علاء مطر

لا يخفى على أحد، داخل فلسطين أو خارجها، أن حركة حماس قد تورطت بعد السابع من أكتوبر، وأن هذه العملية كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش حكمها وعصرها الذهبي كحكومة في غزة وتنظيم، حيث لم تأتِ الرياح العاصفة كما اشتهت السفن الخضراء، فورّطت معها شعبًا وقضيةً كاملة، واستدعت هزيمةً كان شعبُنا في غنىً عنها.

غير أن العقل الذي لا يقرأ التاريخ، أو يقرؤه من زاوية واحدة، لا بد أن يسقط حين يستولي على القرار، وهذا ما حدث مع حماس، التي باتت تبحث عن مخرجٍ لا يبدو في الأفق الآن. فالتنظيم الإسلامي، الذي كان يفتخر بقوته وشجاعته وأنه صاحب الكلمة العليا، وصل إلى أدنى مستوياته جراء حرب الإبادة المستمرة منذ عشرين شهرًا، وأصبح يكرر مناشداته للدول العربية والإسلامية لنصرة غزة.

يبدو أن حماس تُذلّ نفسها لمجرد الحفاظ على بقائها في رأس الحكم في غزة، فإذا وصلت إلى هذه الحالة من أجل البقاء، فكيف يمكنها توفير الغذاء والرفاهية لشعبها؟ ولكن في حقيقة الأمر، وواقع غزة، يؤكد أنه لم يَبقَ للحركة شيء. فأين نقاط القوة والقدرات التي تمثّلها؟

لو عدنا إلى التاريخ وكل الثورات، فإن أي صراع يحتاج إلى عقل، لا إلى عضلات، فكل الاحتلالات القديمة هي احتلالات مصالح، لها دول وعواصم تعود إليها حين تتلقى ضربات موجعة، لكن إسرائيل لا دولة تعود لها، لذا تخوض حروبًا وجودية، وللعملية الانتحارية ثمنٌ شديدُ الفداحة على الشعب، وعليها أيضًا.

لكن حماس لا تزال تكابر وتعاند، ولم تصل بعد إلى النتيجة التي أفرزتها نتائج الميدان بالهزيمة العسكرية، التي كانت آخرَ ما يريده الفلسطيني الذي لا يحتمل هزائم، والتي يعني التلكؤ في الاعتراف بها ثمنًا أكبر من أن يحتمله شعبٌ وجد نفسه محاطًا بالإسرائيلي، الذي لا يكتفي بالإبادة والسحق، بل يستكمل إذلال الشعب بالتجويع، وهو أقسى من الموت نفسه.

منذ ما قبل الحرب، وعلى امتداد سنوات حكمها لغزة، كانت الحركة تسير باتجاه خاطئ، حاول الكثيرون تصويبه، قبل أن يُصابوا بالإحباط نتيجة انغلاق الحركة، التي لم تكن تسمع إلا لذاتها، ولا تريد أن تسمع سوى صدى صوتها ورؤيتها، التي كان واضحًا أنها تسير نحو اصطدام “تيتانيك” بجبل الجليد.

ومنذ بداية الحرب، تجاهلت، بل هاجمت، كل الأصوات التي أدركت فداحة اللحظة، وأدركت أنه بعد الانتحار لن يكون هناك متسع لبقاء الحركة كقوة حاكمة في غزة، هذا إذا لم تتم ملاحقتها وإخراجها من المشهد. لكن الحركة لم تكن تسمع، حتى في أثناء التهدئة واحتفالات التبادل، كانت تظهر لوحة كبيرة كُتب عليها: “نحن الطوفان، نحن اليوم التالي”، في حالة انفصال كبيرة عن واقع الحدث السياسي والميداني، الذي يشهد بالخسارة الفادحة، إلى أن وصل الواقع إلى الحديث عن سحب السلاح، وهو ما كانت ستصل إليه النتيجة بكل الظروف، لدى إسرائيل، التي قررت منذ اليوم الأول للحرب ضمان أمنها لسنوات طويلة مقبلة.

لذلك، بات من الضروري البحث عن حلول، حتى لو كانت مؤلمة، لوقف رحلة العذاب الطويلة لأهل غزة الذين دفعوا كل ما يملكون بلا ثمن. وعلى حماس أن تفهم واقع مأزقها الداخلي، وأن تبحث عن حلول لهذا النفق الطويل الذي تسببت به.