كالعادة، تحاول حركة حماس التنصل من نتائج السابع من أكتوبر المشؤوم، خاصة في ظل ما يجري اليوم في قطاع غزة. فقد تجاوزت الأوضاع مفهوم “حالة الحرب” التقليدية بين طرفين يتحاربان ويتقاتلان، حيث لم يعد هناك معنى لهدنة بينهما أو لاستسلام أحدهما. الواقع المتجسّد اليوم يمتد إلى تنفيذ دقيق وممنهج لمشروع “اقتلاع شعب من أرضه،” عبر فرض هزيمة وانكسار يخرجانه من جغرافيا الشرق الأوسط ليصبح جزءًا من تاريخه.
لا تختلف حماس عن الجماعات والحركات المسلحة ذات الأيديولوجيا الدينية مثل القاعدة وبوكو حرام وداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي توغّلت في الشرق الأوسط. سعت هذه الجماعات إلى تكريس أهداف تقسيم الدول وهزيمة الشعوب عبر تأجيج صراعات ذات أبعاد طائفية وأيديولوجية، نهشت في مستقبل المنطقة واستقرارها.
في ظل خارطة الشرق الأوسط الجديدة، التي بدأت معالمها تتشكل بدوائر تحالفات تهدف إلى إنهاء هيمنة النفوذ الإيراني القائم على الميليشيات المسلحة في العديد من العواصم العربية، وقرار التوجه السريع نحو خيار السلام برؤية عربية متكاملة تتقاطع مع رغبة أميركية تدرك أن دول المنطقة الرئيسية شركاء فاعلون في تحقيق الاستقرار والسلام، تدرك حماس ومن خلفها بقايا التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ورموزه وفروعه حتمية خروجهم النهائي من المشهد السياسي الإقليمي. يتزامن ذلك مع انعدام تأثيرهم الناتج عن أفول أيّ أفق سياسي قد يمنحهم هامشًا للمناورة والبقاء كأيديولوجية وفكر. لم يتبقَ في جعبتها سوى ترهات سياسية لم تعد تجدي نفعًا في ظل المستجدات المتسارعة التي تطفو على سطح المنطقة.
الحقيقة أن إسرائيل وجيشها استطاعا فرض معادلتهما على أرض القطاع، بل في الإقليم عمومًا. في المقابل، فشلت حماس وأدوات المحور الإيراني في الحفاظ على الحد الأدنى من المعادلات التي بُنيت قبل السابع من أكتوبر على حساب مصائر شعوب عربية. فلجأت الحركة ومن خلفها جماعة الإخوان إلى ورقتهم الأخيرة: اللعب على وتر معاناة الشعب الفلسطيني واستغلالها لخدمة أجنداتهم السياسية الهادفة إلى إبقاء حماس في المشهد السياسي الفلسطيني وإدامة وجودها وتثبيت انتصارها المزعوم. يُعدّ ذلك رافعة لإنقاذ جماعة الإخوان من مستنقع سياساتهم الشعبوية الغوغائية التي غرقت فيه منذ حقبة ما سُمّي بثورات الربيع العربي.
قراءة حماس وحلفائها للتفوق العسكري الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة، في ظل افتقارها لأوراق ضغط أو خيارات إستراتيجية أو هوامش سياسية من جهة، وتصاعد الخلافات بين تياراتها وأجنحتها من جهة أخرى، جعلها تستدير لتحريك معركة إعلامية ممنهجة ضد أنظمة دول عربية. تستشرس الحركة في حملتها معتمدة على خطاب يستهوي الغوغاء، محاولةً الهروب من الضغوط السياسية التي ستجبرها في النهاية على الموافقة على صفقة هدنة ستخرجها حتمًا من مسرح أحداث الشرق الأوسط المزدحم.
تتحمل حماس المسؤولية الأولى عمّا آلت إليه الأوضاع في غزة. هذه هي الحقيقة التي تحاول الحركة طمسها. عبثها السياسي والعسكري المستمر منذ السابع من أكتوبر ومحاولاتها الدفع بهذا العبث لتحقيق أجندات إقليمية أو أيديولوجية أدّيا في النهاية إلى إفراغ بطون أبناء الشعب الفلسطيني في غزة تحت وهم التمسك بمواقف أو ثوابت لا طائل منها أمام سياسة التجويع الممنهجة. فالتمسّك بالسلاح تارةً، أو المطالبة بانسحاب إسرائيل من محاور القطاع تارةً أخرى، يخدم إستراتيجية مدروسة تهدف إلى إخضاع السكان حتى يصبح “الرحيل والخلاص” الأمل الوحيد المتبقي للنجاة من أرض لم تعد تريد سكانه
عن العرب اللندنية