مذ بدأت مهنة الصحافة عام 1400 ميلادية في المدن الإيطالية والألمانية المكتوبة بخط اليد اهم الاحداث، وهي مهنة محفوفة بالمخاطر والصعوبات والتضحيات، لذا أطلق عليها مهنة المتاعب والتحديات، حيث ابلى الاعلاميون في بقاع الأرض المختلفة بلاءً عظيما، وشجاعة فائقة في تغطية الاحداث عموما والحروب خصوصا، وكانوا، ومازالوا، وسيبقون جنودا في الخنادق الامامية لنقل ويلاتها، وعظائم مصائبها، يوثقون صورها واهوالها بشهاداتهم الحية بكاميراتهم الفوتوغرافية والتلفزيونية في سياق عملية التطور التاريخية لأدواتها المساعدة في نقل الاحداث.
وفي حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا منذ 214 يوما تخندق الصحفيون الفلسطينيون نساءً ورجالا في جبهات الموت لينقلوا الصور الحية، ويوثقوا جرائم حرب الأرض المحروقة بكاميراتهم التي لا ترمش لينقلوها للعالم كله، ويكشفوا عن بشاعة وهمجية النازيون الجدد من الإسرائيليين والأميركيين وحلفائهم، الذين أدموا قلوب أبناء الشعب العربي الفلسطيني وخاصة من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث سقط منهم حتى اليوم الثلاثاء 7 مايو الحالي 35 الف شهيد، وما يزيد عن 78 الف جريح وما يزيد عن 10 الاف مفقود، وتدمير مئات الالاف من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمعاهد والمعابد المسيحية والإسلامية وإخراج الغالبية الساحقة من المستشفيات والمراكز الصحية، والتدمير المتعمد وعن سابق تصميم وإصرار مصادر الحياة الأولية من غذاء ومياه وكهرباء ووقود والبنى التحتية والطرق وغيرها، ووثقوا جريمة النزوح والأوبئة والامراض وحرب التجويع والتلوث البيئي الذي هدد ويهدد حياة أبناء الشعب من الذين واصلوا البقاء على قيد الحياة.
هؤلاء الابطال من الجنود المعلومين قدموا تضحيات جسام من لحمهم الحي، كانت الأعلى في تاريخ الحروب العالمية والإقليمية، حيث أكد رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، محمد اللحام خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر النقابة في مدينة البيرة يوم الخميس الموافق 2 مايو الحالي بمناسبة اليوم العالمي للصحافة عن استشهاد 135 شهيدا منهم (حتى اليوم 142 شهيدا)، أن 33 عاملا في القطاع الإعلامي استشهدوا منذ بداية العام الجاري، وسبقهم 102 إعلاميا استشهدوا نهاية العام الماضي، واستشهد زميل واحد في مدينة طولكرم، كما استشهدت 33 عائلة من عوائل الصحفيين نتيجة قصف بيوتهم.
وأضاف أن 100 صحفية وصحفي اعتقلوا منذ 7 أكتوبر 2023، بقي منهم في سجون الاستعمار الإسرائيلي 45 صحفيا، حوّل معظمهم الى الاعتقال الإداري، فيما لا يزال 4 صحفيين في عداد المفقودين. كما استهدفت الطائرات والدبابات والزوارق الحربية الإسرائيلية الأميركية 77 منزلا للصحفيين في قطاع غزة، وتم تدمير 86 مكتبا ومؤسسة إعلامية تدميرا كليا وجزئيا، وأصيب من بداية العام الحالي 18 صحفية وصحفي بالرصاص الحي، و19 بشظايا الصواريخ، و19 بالاعتداء بالضرب والتنكيل، و26 إصابة بقنابل الغاز والصوت، و5 حالات استدعاء للتحقيق، و3 حالات فرضت عليها كفالات وغرامات مالية، و39 حالة احتجاز ومنع من التغطية والتصوير، و36 حالة مصادرة وتحطيم الكاميرات ومعدات العمل، و18 حالة اقتحام ومداهمة لمنازل الصحفيين، واقتحام واغلاق وتدمير 16 مكتبا صحفيا. بالإضافة لتوقف 25 إذاعة عن العمل في قطاع غزة، ونجمت اضرارا كبيرة على الحالة الصحفية بسبب الانقطاع المتواصل والمكثف للاتصالات والإنترنت، وهو المصدر الأساس في نقل وتوثيق العمل الصحفي.
لكل هذه التضحيات الفاجعة والخطيرة منحت منظمة اليونيسكو الأممية يوم الجمعة 3 مايو جائزتها/ غييرمو كانو العالمية للصحفيين الفلسطينيين لعام 2024، بناءً على توصية لجنة التحكيم الدولية المكونة من خبراء مهنيين في حقل الاعلام، وأعرب رئيس هيئة التحكيم، موريسيو وييل عن التضامن والتقدير للصحفيين الفلسطينيين عرفانا بشجاعتهم وجدارتهم وبطولاتهم الفذة، وكونهم غطوا وحشية حرب الإبادة في ظروف مأساوية ولا إنسانية. وأضاف إننا كبشر مدينون بالكثير لشجاعتهم والتزامهم بحرية التعبير.
نعم استحق الصحفيون الفلسطينيون من الجنسين الجائزة الأممية بجدارة، وهي وسام على صدر كل صحفية وصحفي نقل الصورة ووثق جرائم النازيين الجدد الإسرائيليين والأميركيين وحلفائهم، واماط اللثام عن وجوههم اللا إنسانية الذين بطشوا بأسلحة الدمار الشامل وبأبشع الصور حياة الاجنة من بطون امهاتهم والأطفال والنساء في حرب إبادة غير مسبوقة في تاريخ الحروب. ورحم الله شهداء الاعلام من مختلف المهن الإعلامية، ولأرواحهم ألف تحية وسلام، والشفاء العاجل لجرحاهم ولكل جرحى الشعب دونما استثناء.
وستبقى راية الاعلام الفلسطيني العام والخاص مرفوعة عاليا في التعبير والتصوير والتوثيق لحروب الإبادة الإسرائيلية والأميركية، وتعلي راية القضية الوطنية في سماء وفضاء المشهد العالمي، وتعكس ببسالتها ومهنيتها المتميزة والموضوعية صورة وحقيقة الكفاح السلمي العادل للشعب الفلسطيني، وتهزم بكفاءتها الرواية الصهيونية، وتكرس السردية الفلسطينية كما يليق بها كحقيقة ناصعة بيضاء كالثلج.