وول ستريت جورنال: إسرائيل أمام مستقبل غامض

السياسي – رغم مظاهر القوة العسكرية التي تُظهرها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة، فإن المستقبل الذي تنتظره يبدو أقل إشراقًا مما تدّعيه قيادتها، بحسب ما خلصت إليه صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.

وقالت الصحيفة إن الحملة العسكرية ضد إيران ورغم بدايتها الصاخبة، تواجه تحديات حقيقية في تحويل “النجاحات التكتيكية” إلى مكاسب استراتيجية، بل تكشف عن مأزق استراتيجي طويل الأمد يهدد بإغراق دولة الاحتلال في صراع إقليمي معقد، وتآكل مشروعها في الهيمنة الإقليمية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ عام، كانت دولة الاحتلال غارقة في حرب ضروس في غزة، محاطة بتحديات إقليمية متصاعدة، وتحت ضغط أمريكي لإنهاء القتال. أما اليوم، ورغم خطاب النصر والانتصار، فإن الهجوم على إيران لم يحقق أهدافه المعلنة، ولم ينجح حتى الآن في شلّ البرنامج النووي الإيراني أو تحييد التهديدات الاستراتيجية التي تمثلها طهران.

-مكاسب محدودة أمام خصم عنيد

الهجوم الإسرائيلي على إيران شمل أكثر من 250 هدفًا خلال 50 ساعة فقط، لكن ذلك لم يؤدِ إلى شلل فعلي في قدرات إيران الدفاعية أو النووية.

فحتى الآن، لم تُستهدف منشأة فوردو الرئيسية للتخصيب، ولم تُدمَّر مخزونات اليورانيوم الإيراني التي يُعتقد أنها موزعة في أنحاء البلاد. كما أن الرد الإيراني، رغم محدوديته، أظهر أن طهران لا تزال تمتلك القدرة على الرد والاستمرار.

هذا الفشل النسبي في تحييد القدرات النووية يضع دولة الاحتلال أمام معضلة كبرى: فإما الاستمرار في تصعيد قد يجرّ المنطقة إلى حرب أوسع، أو القبول بنتائج جزئية لا تُحقق وعد “تحييد إيران”، وهو وعد تكرره المؤسسة العسكرية الإسرائيلية دون ضمانات عملية.

-أزمة داخلية وإرهاق شعبي

في الداخل، يزداد الإرهاق الشعبي الإسرائيلي من الحروب الطويلة. فبعد 20 شهرًا من حرب الإبادة في غزة، بدأ الشارع الإسرائيلي بالتشكيك في جدوى هذه الحملات، وسط انقسام سياسي حاد حول أداء نتنياهو، الذي يسعى لعزل خصومه من الجيش والمؤسسات، ويواجه انتقادات حادة لفشله في تقديم خطة لما بعد الحرب.

وحتى في حرب إيران، هناك تساؤلات جدية: ما الهدف؟ ما أفق الانسحاب؟ وكيف ستُحوَّل العمليات العسكرية إلى أمن مستدام؟ لا توجد أجوبة واضحة، بل خطابات عن “الفرصة التاريخية”، وسط شعور داخلي متصاعد بعدم اليقين والخوف من أن تتكرر سيناريوهات الماضي — مثل الاجتياح الفاشل للبنان عام 1982.

-خسائر دبلوماسية… وعزلة دولية

في الساحة الدولية، لم تُترجم هذه “النجاحات” إلى مكاسب دبلوماسية. بل على العكس، باتت دولة الاحتلال أكثر عزلة، خاصة بعد مجازرها المتكررة في غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 55 ألف فلسطيني. فالمجتمع الدولي لم يبتلع رواية “الحرب الوقائية”، بل يرى فيها اعتداءً ممنهجًا يعمّق الكراهية ويقوّض فرص السلام.

والاتفاق المنتظر مع السعودية، الذي كان من المفترض أن يُتوَّج تطبيعًا تاريخيًا، أصبح أبعد منالًا، إذ لا يمكن لأي قيادة سعودية أن تتبنى هذا الاتفاق بينما صور الأطفال الجياع والمباني المدمرة تتصدر شاشات العالم من غزة. وقد حذّر دبلوماسيون غربيون من أن هذه العزلة قد تستمر لسنوات وتضر بمكانة دولة الاحلال حتى بين حلفائها التقليديين.

وأحد أبرز التحديات التي تواجه دولة الاحتلال هو عدم قدرتها على تحويل “إنجازاتها” العسكرية إلى مكاسب سياسية ملموسة. وكما يشير خبراء إسرائيليون، فإن “تاريخ إسرائيل مليء بالانتصارات العسكرية التي فشلت في فرض وقائع سياسية دائمة”، كما حدث بعد انتصار 1967 الذي تبعه انهيار في 1973، أو الاجتياح الفاشل لبيروت عام 1982 الذي تحوّل إلى مستنقع استنزاف استمر حتى عام 2000.

واليوم، تبدو المعادلة مشابهة: سلسلة من الضربات العسكرية، دون رؤية سياسية واضحة، وغياب تام لاستراتيجية خروج من الحرب. وبدلًا من البناء على التقدم العسكري لتحقيق تفاهمات أو اتفاقات تضمن الحد الأدنى من الأمن، تُظهر دولة الاحتلال إصرارًا على التصعيد، ما يزيد احتمالات انفجار المواجهة بدلًا من احتوائها.

-التهديد مستمر

في مواجهة إيران، قد تكون دولة الاحتلال قد أضعفت جزءًا من البنية العسكرية أو الدفاعية، لكنها لم تُزل التهديد.

فما يزال “محور المقاومة” يمتلك آلاف الصواريخ المنتشرة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، إضافة إلى ترسانة إيران الذاتية، ومجرد فشل جزئي في القضاء على البرنامج النووي سيُقرأ إقليمياً كضعف في قدرة الردع الإسرائيلي.

وبينما تراهن القيادة الإسرائيلية على جلب إيران إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف، فإن الواقع الإقليمي لا يضمن هذا السيناريو، بل قد يدفع طهران إلى التسريع في تطوير برنامجها النووي، ما يعيد دولة الاحتلال إلى نقطة الصفر، مع تهديد أكبر وأكثر إلحاحًا.

وعليه فإن خلاصة المشهد أن دولة الاحتلال رغم عنفها العسكري وكثافة هجومها، لم تُحقق بعد إنجازًا استراتيجيًا حاسمًا، بل تواجه مستنقعًا سياسيًا وأمنيًا، وتتحرك في منطقة رمادية بلا استراتيجية خروج.

يقول داني سيتريونوفيتش، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: “الانتصارات التكتيكية لا تكفي، نحتاج الآن إلى استراتيجية للخروج… يجب أن نفكر في كيفية إنهاء هذه الحرب قبل أن نبدأها أصلاً”.

فإسرائيل قد تكون الآن في أوج قوتها العسكرية، لكنها أيضًا في أضعف لحظاتها السياسية، بين تحولات داخلية مرهقة، ومأزق استراتيجي خارجي، ونفور دولي متزايد.