مثل مُلاكمٍ أعلن نتيجة المنازلة مع خصمه قبل أن تبدأ، احتفل ترمب بالسلام الذي تَحقّقَ في المنطقة عقب تمرير مشروع القرار الذي قدمته بلاده لمجلس الأمن دون معارضة، ما أثار لديه مشاعر البهجة والسعادة، فأثنى على غير عادته على الهيئة الدولية، التي سبق أن كال لها الانتقادات اللاذعة، وقلّل من دورها، وشكّك في مبررات وجودها، بعد أن بلغت الثمانين من عمرها، بخطابٍ ألقاه من على منبرها مُرتجلاً بعد تعطّل آلة القراءة والمصعد الموصل إلى القاعة.
على طريقة “ما أريكم إلا ما أرى”، فإنّ السلام بالنسبة لترمب قد تَحقّق، وغزة اليوم باتت أفضل بكثيرٍ مما كانت عليه قبل أشهر، فأطفالها الذين كانوا يُقتلون بالمئات وهم نيام، يُقتلون اليوم بالعشرات، كما جرى في مجزرة أمس، ويموتون بردًا وجوعًا ومرضًا، في خيامٍ تغرق بمياه الصرف والأمطار، فيما تتكدس مئات الأطنان من المساعدات على المعابر.
“الفلسطينيون يُحبونني.. إنهم في وضعٍ جيدٍ جدّاً”، هكذا ردّ ترمب على نادية الفلسطينية مراسلة قناة “العربية” في واشنطن، فحُبّ “مُطوّر العقارات” للفلسطينيين لا يَخفى على أحدٍ من العالمين، فالقنابل الأمريكية أثبت جدارتها في مسحِ القطاع بأكمله
، وقتلِ عشرات الآلاف من سكانه، وجعلت غزة غير قابلةٍ للحياة لعقودٍ مقبلة، حتى “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من صاحبة تمثال الحرية، أبدع قناصتها في اصطياد مئات الجوعى المنتظرين أمام أبوابها، وهو من فرط حبه للفلسطينيين لا يمانع فتح باب “التهجير الطوعي” لهم، مُشفقًا على سكان الخيام المنصوبة فوق تلال الركام دون أن يقول لنا من دمر منازلهم!
ونحن أيضًا أحببنا ترمب، وقلنا له تحبُّـبًا: “يخرب بيتك”، ووصفنا سفيره في تل أبيب بـ”ابن الكلب”، قبل أن يعود إلينا في ولايةٍ ثانية، ويُعيد علينا بضاعته المزجاة، فنتلقّفها على شوق، سلطةً ومقاومةً، لنرفل في نعيم الانتداب والوصاية، قبل أن يفتح لنا “مسارًا موثوقًا نحو الدولة”، في حال تَمكَّنّا من اجتياز اختبار الجدارة… هل تذكرون خارطة الطريق، التي توارت بأثر عوامل التعرية، وطُمرت تحت كثبان الاستداكات الشارونية؟!






