يا هندُ قومي أيقظينا فقد ماتت الكرامةُ فينا

السياسي – الشهيدة هند رجب أكبر من جائزة -على أهميتها- في تعرية الكيان القاتل، إنها جزء من اختصار الألم الفلسطيني المتواصل منذ ما يفوق 75 عاما داخلا وشتاتا، إنها ايقونة جديدة في حياة الفلسطينيين الخالدة نحو استرجاع الأرض.

هند رجب الطفلة الفلسطينية لم تكن مجرد حادثة عابرة في سجل المأساة الفلسطينية، بل تحولت إلى رمز يختصر معاناة الطفولة تحت القصف وصرخة براءة في وجه عالمٍ أصمّ. لقد جسّد الفيلم الذي تناول سيرتها اللحظةَ الأخيرة من حياتها، حين أطلقت استغاثتها عبر الهاتف، لتصبح كلماتها القليلة مرآة لخيبة الإنسانية كلّها. هذا البعد الإنساني، الممزوج بصدقٍ عارٍ من أي رتوش، جعل الفيلم يخرج من الإطار المحلي إلى البعد العالمي، حيث لامس قلوب النقاد والجمهور على حدّ سواء في مهرجان البندقية، لقد نال الفيلم الجائزة الكبرى في المهرجان؛ لا لأنه عمل فني متقن وحسب، بل لأنه حمَل في صوره ومشاهده معنى أكبر من الفن ذاته: معنى الشهادة الحية على ظلمٍ موثّق بالصوت والدمع والرجاء.

حين اعتلى صُنّاع الفيلم المنصّة، كان التصفيق الذي ملأ القاعة أشبه بوقوف العالم دقيقة صمت لهند وإخوتها الشهداء من الأطفال، وكأني بها طفلة ألقت في حجر البشرية سؤالا لا يحتمل التأجيل: أين كنتم؟ إلى متى تتفرجون على الإبادة الجماعية؟ أضمائركم جفت وما جفت دموع الأبرياء على ما قال شاعرنا الأصيل كريم العراقي ذات يوما عن أطفال العراق!!

الجائزة لم تُمنَح لفيلمٍ فقط، بل لقضية بأكملها، ولطفلة أصبحت أيقونة للبراءة المقتولة ووجها للأمل الذي لا ينطفئ ما بقي فينا قلبٌ يخفق بالحياة والحرية

وهنا دعونا ننظر إلى الفيلم بأبعاد مختلفة، حينها تزداد أهمية الفيلم بحيث يُنظر إليه مرآة في ضوء الشرعية الدولية المشردة عند رعاة الإرهاب، إذ أن استشهاد هند أعاد تسليط الضوء على اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي تنص في المادة (6) على حق كل طفل في الحياة، وفي المادة (38) على التزام الدول الأطراف باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، بما في ذلك الأطفال. كما أن قتل الأطفال وقصفهم يشكل خرقا واضحا لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وخاصة الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين، والتي تؤكد في المادة (27) على ضرورة احترام الأشخاص المحميين وحمايتهم من أعمال العنف، ولكن أضحى القانون الدولي -وآسف للتعبير- ممسحة على يد الإسرائيلي المغطى من عتاة العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الانتهاكات تتعارض مع المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف، التي تحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية للمدنيين، ومع المادة (51) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، التي تحظر الهجمات العشوائية ضد السكان المدنيين.

ومن زاوية أوسع، فإن هذه الأفعال يمكن أن تندرج ضمن جرائم الحرب كما ورد في المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، التي تعتبر استهداف المدنيين، وخاصة الأطفال، جريمة ضد الإنسانية والقانون الدولي.

وهنا يستحضرني كلام بالعامية اللبنانية “مرحبا قانون دولي ومرحبا أطفال”.. إسرائيل فوق القانون، ولا حتى السؤال من غزة إلى بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وكل الأجواء المخترقة عنوة وصولا إلى الدوحة؟!! ولا أحد يعلم من يأتي بعد!! فالإسرائيلي يبدع قتلا واعتداء، حيث المجتمع الإسرائيلي نفسه بات نموذجا أبعد ما يكون عن السلام أو التسوية أو حتى مصطلح أقل ذلك، إنها لحظة الحقيقة التي تؤكد يمينية دولة بكل ما فيها. وهنا نسأل: تُرى عن أي سلام يتحدث المتحدثون علما أن العرب قدموا فوق قسطهم في هذا المضمار؟! ولكن الإجابات الإسرائيلية على المبادرات والوساطات دائما جاءت محملة بالبارود والنار والقتل والتشريد وسفك دماء الأطفال، وهند منهم.

وهنا أُهدي هند وكل أطفال فلسطين والعالم الحر باقة من الأبيات الشعرية أقول فيها:

يا هندُ قومي أيقظينا     فقد ماتت الكرامةُ فينا
يـا هندُ صرخـة لجـرح       لأرض، تُنادينا وتُبكينا
يا هندُ أنتِ للحق نداءُ        حقٍّ يُعلّمُنا معانينا
يا هندُ إنْ متنا وقوفا          فموتِ الكرامةِ يبقينا
يا هندُ لا، ما ماتَ وعدٌ       ولا خبتِ المروءةُ فِينا
فالأملُ الغضُّ ارتوى، لعل     دمكِ المسكوبُ يُحيينا
يا هندُ لو نُفيتْ دروبُ        النورِ، فالفجرُ حتما يأتينا
مهما استبدَّ الليلُ طغاة       فشمسُك ِوجهك تُحيينا
يا هندُ في الأشلاءِ وعدٌ     بأنَّ الطغاة للعار مُلاقينا
فلسطين لا ينكسرُ قلبُ      شعبك، ولا يذلُّ جبيُنا
سنظلُّ رغم الجرحِ نرقى     وفي الصبر آمالِ تعزينا

-محمد موسى