رون بن يشاي – يديعوت احرونوت
الهجوم الذي أعلن عنه نتنياهو يهدف، على الأقل رسميًا، للضغط على حماس للعودة إلى طاولة المفاوضات | المطروح على الطاولة ثلاث خيارات — من السيطرة على مدينة غزة وحدها، كرمز للسلطة، حتى احتلال كامل للجيب بما يشمل مخيمات الوسط والمنطقة الساحلية المسمّاة المواصي | رئيس الأركان متمسك بالخطة المحدودة لـ”التطويق والاستنزاف” خشية على حياة الأسرى | لكن في الوقت الراهن يبدو أنه لن “يكسر الأدوات”
بحسب جميع المؤشرات، هناك توافق تام بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن الحاجة إلى عملية عسكرية فورية ومكثفة في قطاع غزة لكسر جدار الرفض من قبل حماس. وذلك بعد أن توصّل كل من القدس وواشنطن إلى قناعة بأن حماس، التي وافقت مبدئيًا على صفقة تبادل أسرى وفقًا لمقترح ويتكوف، قررت التحول إلى استراتيجية الاستنزاف. ممثلو الحركة في الدوحة بدأوا بتقديم مقترحات يعلمون جيدًا أن إسرائيل سترفضها. هدف الحركة هو كسب الوقت على أمل أن يؤدي الجمود في المفاوضات، و”تسونامي نزع الشرعية” ضد إسرائيل في المجتمع الدولي، وتأثير مقاطع الفيديو المرعبة للأسرى الجائعين على الرأي العام الإسرائيلي، إلى تركيع حكومة إسرائيل ودفعها للاستسلام لمطالب حماس.
التحرك المضاد الذي نسقه نتنياهو وترامب يهدف إلى إحباط هذه الاستراتيجية. وقد تم الاتفاق على أن تكون العملية عسكرية في الأساس، لكنها ستتضمن أيضًا مكونًا إنسانيًا جديًا ينزع من حماس سلاحها الدعائي الذي صنعتْه من خلال حملة التجويع الكاذبة. الهجوم العسكري-الإنساني المركب من المفترض أن يضغط على الحركة للعودة إلى مفاوضات جدية وفعالة بشأن إطلاق سراح جميع الأسرى وإنهاء الحرب بشروط مقبولة على كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
بدأت هذه الخطوة تتبلور عندما انسحبت الوفود الإسرائيلية والأمريكية من طاولة المفاوضات في الدوحة. وفي الوقت نفسه، صدرت تصريحات في القدس وواشنطن تفيد بأن “اللعبة الجديدة” هي: كل مقابل كل – أي جميع الأسرى مقابل جميع المعتقلين الفلسطينيين، ووقف الحرب مقابل نزع سلاح حماس وإزاحتها من أي موقع سلطوي في غزة. كل هذا يهدف إلى وضع قيادة حماس في غزة وقطر تحت ضغط.
حماس تدرك أن التفاوض على صيغة “الكل مقابل الكل” سيستغرق وقتًا طويلًا، أطول بكثير مما خططت له في مناورة التأجيل. خلال الأشهر القادمة، لن يعاني الأسرى فقط وقد يواجهون خطر الموت، بل أيضًا سكان القطاع، بمن فيهم المقاتلون وقادتهم الذين يختبئون في الأنفاق، وعائلاتهم في الخيام فوق الأرض. أمطار الشتاء وبرده القارس تمثل تهديدًا قاسيًا حتى للجهاديين المستعدين للتضحية بأنفسهم وبالمدنيين. خاصة مع العلم أنه لن يبدأ إعادة إعمار القطاع إلا بعد التوصل لاتفاق.
لكن جوهر الخطة تمثل في موجة تسريبات من مكتب رئيس الوزراء حول نيته، بدعم من الكابينت، إصدار أمر للجيش “باحتلال غزة”. هذا التهديد صيغ عمداً بشكل غامض. ولم يُوضح للصحفيين السياسيين ما المقصود عمليًا بـ”احتلال غزة”. ولكن الانطباع الذي سعى مكتب نتنياهو لخلقه عن عمد هو أن الجيش الإسرائيلي سيقوم بمناورات إلى داخل كل الجيوب التي لم “يمسّها” بعد بسبب الأسرى، ومن ثم سيمسك بكامل مساحة القطاع ويسيطر عليه.
رئيس الأركان ايال زمير أوضح لنتنياهو وللكابينت في مناسبات عدة معارضته لهذه الخطوة، التي ستكون مكلفة بشدة وستؤدي شبه مؤكد إلى مقتل جميع الأسرى على أيدي خاطفيهم أو بنيران الجيش، وسيسقط عشرات الجنود ومئات الجرحى جراء العبوات الناسفة التي أعدتها حماس في تلك الجيوب؛ كما سيتوجب على الجيش استدعاء وحدات احتياط مستنزفة ومقلصة لمدد طويلة؛ وسيضطر الجنود النظاميون، الذين مُددت خدمتهم، لتحمل العبء الرئيسي بينما الحكومة تدفع بقانون الإعفاء من التجنيد؛ أما التكلفة الاقتصادية المقدرة بـ35 مليار شيكل سنويًا، فسنشعر بها جميعًا، إلى جانب مليارات أخرى لشراء ونقل المساعدات الإنسانية؛ وصورة إسرائيل كدولة تتجاهل القانون الدولي ستواصل التدهور، مما سيزيد من عزلتها عالمياً.
معضلة “العلم الأسود”
رئيس الأركان الذي عرض على القيادة السياسية التكلفة غير المعقولة لاحتلال القطاع بأكمله، اقترح بديلاً صيغ في شعبة العمليات ويحظى بدعم غالبية أعضاء هيئة الأركان. الفكرة أنه يمكن ممارسة ضغط عسكري على حماس يؤدي إلى إطلاق الأسرى والقضاء على وجودها كسلطة حاكمة وعسكرية في غزة، دون دفع هذه الأثمان الباهظة. وذلك من خلال تطويق الجيوب التي لا يزال الجيش لا يسيطر عليها واستنزاف مقاتلي حماس وقادتهم المتحصنين فيها من خلال غارات مركزة ونيران دقيقة دون الإضرار بالأسرى أو منح الخاطفين الوقت لقتلهم (كما حدث لستة أسرى في رفح في أغسطس الماضي).
يُنفذ التطويق فوق وتحت الأرض، بشكل يمنع المقاتلين من التسلل خارج الجيوب ومباغتة الجيش في المناطق الخاضعة لسيطرته. وسيتعين على مقاتلي حماس مواجهة قوات صغيرة نسبيًا من الجيش، مزودة بأفضل وسائل الاستخبارات والأسلحة الدقيقة. ستُقام مراكز تابعة لصندوق غزة الإنساني (GHF) على أطراف الجيوب، وتُؤمن من قبل الجيش، لتوزيع كميات كبيرة من المساعدات لسكانها.
العيب الوحيد في خطة “التطويق والاستنزاف” هو الوقت الطويل المطلوب لتحقيق الأهداف. خلال هذه الفترة قد يموت أسرى من الجوع، ولن يتمكن الجيش من تخصيص موارده لإعادة بناء قوته وتوفير الراحة المطلوبة للجنود بعد قرابة عامين من القتال.
من جهته، أوضح نتنياهو لرئيس الأركان صراحةً أنه يريد من الجيش تنفيذ احتلال كامل وليس خطة “التطويق والاستنزاف” التي أوصى بها زامير. وقد وجد نفسه في مأزق. في البداية اعتقد أنه سينجح في إقناع نتنياهو. وعندما فشل، بدأ يتساءل بينه وبين مقربيه ما إذا كان عليه التعاون مع خطوة يعارضها بشدة كبار القيادات العسكرية. في وزارة الدفاع كان من تحدث عن “أمر غير قانوني بشكل واضح، يرفرف فوقه علم أسود”، وبالتالي يجب رفضه.
لا أدّعي أنني أعرف دوافع رئيس الوزراء، لكن هناك مؤشرات تدل على الاتجاه الذي يسلكه. أهمها الوعد الذي همس به في أذن بتسلئيل سموتريتش – المؤيد المتحمس لإعادة الاستيطان في القطاع – والذي دفع وزير المالية إلى التصريح بأنه لا يعتزم مغادرة الحكومة “لأن أشياء جيدة ستحدث”. نتنياهو، بحسب ما هو معروف، يعارض استئناف الاستيطان اليهودي في غزة، لكن التسريبات حول احتلال كامل مكّنتْه من إبقاء سموتريتش وبن غفير في الائتلاف. كما شكّل ذلك تهديدًا على حماس، التي – برأي المؤسسة الأمنية – لا تكترث بمعاناة السكان، لكنها حساسة جدًا لفقدان الأراضي.
ثلاث خيارات للهجوم
في عملية “عجلات جدعون”، سيطر الجيش على نحو 75٪ من مساحة القطاع، حيث يتمتع بحرية حركة شبه كاملة. تبقت ثلاث جيوب لم يدخلها بعد، تمثل ربع إلى ثلث مساحة القطاع، وتضم نحو 80٪ من السكان، معظمهم من المدنيين الذين نزحوا من مناطق القتال الأخرى.
في مدينة غزة، خاصة في غربها وعلى الساحل، يتكدس نحو مليون نسمة؛ في مخيمات الوسط (النصيرات، دير البلح، البريج والمغازي) نحو 400 ألف؛ وفي المواصي حوالي 600 ألف. في هذه الجيوب يُعتقد أن غالبية الأسرى الأحياء، وربما جميعهم، يحتجزون، إضافة إلى بعض الجثامين.
لكي لا تتحمل إسرائيل مسؤولية إبادة جماعية، يجب السماح – بل إلزام – السكان بالمغادرة قبل بدء القصف، حفاظًا أيضًا على حياة الأسرى. ومن المرجح أن تستغل حماس والجهاد هذا الإجلاء لتهريب الأسرى لمكان آمن.
قبيل اجتماع الكابينت، عُرضت ثلاث سيناريوهات لهجوم موسع:
الخيار الأول (الأوسع): احتلال كامل للقطاع عبر اجتياح الجيوب الثلاث الخاضعة لحماس – مدينة غزة، مخيمات الوسط والمواصي. وتشمل الخطة إجلاء السكان إلى منطقة “الطوق الجنوبي” وتقديم مساعدات إنسانية لهم. بعد الاحتلال، يبدأ الجيش في تدمير البنية التحتية تحت الأرض ويُعمّق السيطرة الأمنية. من المتوقع إقامة إدارة عسكرية حتى التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب وإنهاء حكم حماس. وربما يجري تشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين، وقد تضم إسرائيل أجزاء من القطاع، خاصة شماله ومناطق قريبة من الحدود.
الخيار الثاني (أقل شمولاً): احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط فقط، دون المواصي (التي اعتُبرت منذ البداية منطقة آمنة). باقي التفاصيل مشابهة للخيار الأول.
الخيار الثالث (الأضيق): احتلال مدينة غزة فقط، مع تطويق مخيمات الوسط والمواصي دون دخولها. لهذا الخيار عدة مزايا: يقلل خطر قتل الأسرى (لأن الخاطفين قد ينقلونهم بعيدًا أثناء إجلاء السكان)، ويحتاج إلى نصف عدد القوات المطلوبة لاجتياح كامل – أي 10-11 لواء بدلًا من 5 فرق كاملة، والأهم: السيطرة على العاصمة الإدارية للقطاع تُفقد حماس مظهر السلطة، مما يؤدي لانهيار هيبتها. هذا السيناريو سيكون أيضًا أسهل دبلوماسيًا أمام المجتمع الدولي.
رئيس الأركان لا يدعم أيًّا من هذه السيناريوهات، ويصر على أن الخيار الأنسب هو تنفيذ خطة “التطويق والاستنزاف” دون احتلال أي جيب. وقال في أحاديث مغلقة: “سنواصل إبداء رأينا في الكابينت بدون خوف، لأن الأمر يتعلق بأرواح بشرية”. ومع ذلك، من غير المرجح أن يستقيل أو يتخذ خطوات علنية إذا قرر الكابينت تنفيذ سيناريو “احتلال غزة فقط”. بل سيعمل الجيش على تنفيذ القرار مع تقليص المخاطر على الأسرى قدر الإمكان.
من وجهة نظر نتنياهو، القرار بشن هجوم مكثف رغم خطر الأسرى يُعدّ إشارة لحماس أن إسرائيل لن تستسلم – حتى لو بقي الأسرى لديها، فإنها لن تتراجع عن هدف إسقاطها.
ستُستخدم نفس طريقة المناورة التي استُخدمت في “شجاعة وسيف” و”عربات جدعون”. المرحلة الأولى، وقد تمتد لأسابيع، تشمل إجلاء السكان نحو رفح، بين طريق موراج وطريق صلاح الدين، وإنشاء عشرات مراكز التوزيع الإنساني. إخلاء السكان من جنوب مدينة غزة بدأ بالفعل يوم الأربعاء، حين دعا الناطق باسم الجيش بالعربية، العقيد أفيحاي أدرعي، سكان حي الزيتون للتوجه نحو المواصي. أي أن التحضيرات بدأت قبل قرار رسمي من الكابينت.
فقط بعد انتهاء الإجلاء، ستبدأ المعركة – أولًا عبر قصف مكثف لتدمير مواقع مضادة للدروع، القناصة والمراقبة. ثم تتقدم القوات بتغطية من طائرات مسيرة باتجاه أهداف حددها الاستخبار.
هدف آخر: منع التسلل
بالتوازي، سيمنع الجيش تسلل المقاتلين والمدنيين من غزة ومخيمات الوسط إلى “الطوق الشمالي” (جباليا، الشجاعية، دراج التفاح، بيت حانون، بيت لاهيا، وعطاطرة)، حيث سيواصل عملياته لتدمير بنى حماس فوق وتحت الأرض.
بالتزامن مع المناورات، سيُسمح بدخول المساعدات إلى جميع أنحاء القطاع عبر 16 مركزًا للتوزيع. الهدف هو تزويد الأسواق والمواطنين بما يلزم لخفض الأسعار، وتوفير مياه شرب، وصرف صحي، ووقود للمستشفيات والمدنيين.
ورغم كل ذلك، فإن الخيار الثالث – احتلال غزة وحدها – يحمل أيضًا خطرًا على حياة الأسرى، فقط بسبب الوقت الطويل المطلوب للتحضيرات والمناورات البطيئة لتقليل خسائر القوات.
لذا، من وجهة نظري، الخيار العقلاني الوحيد هو خطة “التطويق والاستنزاف” التي طرحها زامير.
وحتى لو نجحت العملية العسكرية في تحقيق أهدافها، لا يبدو في الأفق أي مسار سياسي مواكب يضمن إقامة حكم بديل في غزة يُخرجنا، على حد تعبير رئيس الأركان، من “الحفرة السوداء” لحرب بلا نهاية ولا غاية.