أسدل عام 2022 ستارته، على أحلام نتمنى جميعا تحقيقها، لكن تبقى الأمنيات المرتبطة بالوطن غير قابلة للتخلي عنها، لأنها تمثِّل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، بعد أعوام حافلة بالأحداث والتطورات، أثرت في العراقيين على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم. كثيرة هي الأحلام التي تشغل الإنسان العراقي وتستأثر بقلبه، على أملٍ تحقيقها في العام الجديد، ويترقب بشغف موعد تحقيقها. عديدة هي تلك الأمنيات التي يتمناها العراقيون في إشراقة العام الجديد، منها ما قد يتحقق، ومنها ما لا يزال علمه عند الله، ولكن ما يجمع عليه الجميع من أمنيات هو أن تنتهي حالة النزاع الطائفي في حكم البلاد، ويحل الاستقرار والسلام، وأن تلتئم وتضمد جراح طال نزفها.
كما هي كثيرة أيضا الكوابيس والهواجس والخوف من المستقبل، التي نخشى وقوعها، نتيجة استمرار تدمير أسس سيادة البلاد وتهميش هوية العراقيين الوطنية، طيلة عقدين من الزمن من حكم المحاصصة، الذي أوقع البلاد فريسة لنخبة طائفية فاسدة، تحمى مصالح الفاسدين، وتبرئ القتلة والمأجورين، ما انعكس دوليا على تراجع مكانة العراق وتدهور أوضاعه داخليا، وما جعله الأكثر خطورة بين دول العالم، على الرغم من حجم وقيمة ثرواته، وأهمية موقعه التاريخي والجغرافي.
رحل عام كما رحلت الأعوام السابقة في العراق، مثقلا باليأس واستمرار غياب رؤية واضحة لمستقبل المشهد العراقي بعد أزمة الأحزاب الحاكمة في البرلمان
كالعادة، استقبلت الحكومة الجديدة الغارقة في أزمتها السياسية العام الجديد، بشعور زائف من البهجة والسرور، من خلال إقامة الاحتفالات، وتزيين شوارع العاصمة بغـداد ومدن العراق الأخرى، بأشجار أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، في الوقت الذي عمدت الدولة فيه إلى إطفاء الشعور بالبهجة المصطنعة، التي غيبتها الأحداث المؤلمة، التي يمر بها هذا البلد، لتجعل من بهجة وجمال الاحتفالات في الشوارع، المؤشر المُعبر الذي وجب أن يراه العالم، عن نجاح العملية السياسية، ودورها في طمأنة المواطن العراقي، بالمستقبل وإشارة لفرحه باستقبال العام الجديد. ففي الوقت الذي احتفلت فيه شعوب العالم المتحضرة بأعياد رأس السنة الميلادية وحلول العام الجديد في أجواء من البهجة والفرح، ودع العراق العزيز علينا جميعاً عاما لم يختلف عن غيره من الأعوام السابقة، منذ إعادة بناء أسسه السياسية والمجتمعية، التي عمقت صراع الطامعين في السلطة، وكما نشاهده في الوقت الحاضر، بحيث أصبح من السهولة لكل من له بصيره وطنية، من تحليل الأسباب وقراءتها بموضوعية، من خلال استعراض العديد من الأحداث التي تدخل في نطاق ما سُمي بأزمة العملية السياسية، ودورها في خلق هذه العلاقة المرتبكة بين المكونات الحاكمة التي دعمت استمرارها القوى الخارجية المؤثرة في المشهد العراقي، التي ساهمت بدورها في تقاسم وتوزيع مناصب الدولة السيادية والثروات بين زعماء الطوائف والقوميات، حيث أثرت هذه العلاقة المرتبكة بين زعماء المكونات القومية والمذهبية، في تزايد حالة الاستقطاب الشعبي بشقيها المذهبي والقومي. من هنا أصبح الخوف من المستقبل، الهاجس الذي يؤرق غالبية العراقيين اليوم، ويدفعهم إلى تصديق قارئي الفنجان، وتوقعات المنجمين، التي أكل عليها الزمان وشرب، حيث بات الكثير منا يخشى أن يمضي قطار الأحداث مسرعاً من دون العثور على فرصة، أو أمنية قابلة للتحقق، تعيد لنا بهجة الانتماء للوطن، والافتخار بتاريخه وقدسيته السماوية. فعراق الشموخ والعزة لا رؤية له في عيون شبابه، العراقيون يختلفون في الرأي والإرادة، وينقسمون في الإيمان والعبادة، العراقيون يتخاصمون ويتصارعون في ما بينهم لاختيار دول الجوار في حكم البلاد وضياع السيادة.
قد تجد تنبؤات عالم الفنجان طريقها وتستأثر بعبراتها قلوب العراقيين الباحثين عن فسحة من السرور وسط عتمة الواقع الـُمر، هدفها إعادة حالة من التفاؤل ونشر الابتسامة على وجوه العراقيين، بعودة العراق سالما معافى مع بداية هذا العام، في ظل حكومة محمد شياع السوداني الجديدة من خلال قراءة مفرحة للمستقبل لطمأنة القلوب، وإبعاد الخوف وعودة الأمل لإحلال الاستقرار والتنمية، على الرغم من معرفة الجميع استحالة الوصول إلى تحقيق هذه التنبؤات التي هي أقرب ما تكون إلى الخيال. وفي انتظار تحقيق أماني المستقبل، تبقى آمال العراقيين سجينة دوامات العنف، وحقيقة الحاضر لعراق مقسم إلى ثلاثة أجزاء في ظل واقع سياسي شائك ومعقد فرضته التحديات المستمرة التي عصفت بالمشهد العراقي، نتيجة لاستمرار حالة الفساد المالي والإداري، التي فرضتها مساومات المحاصصة، وإشكالية عدم قدرة النظام السياسي العراقي من حسم ومعالجة الملفات العالقة مع إقليم كردستان المتعلقة بتصدير النفط، والمناطق المتنازع عليها، ناهيك من الدور الإيراني الخطير وأذرعه المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة والقانون.
رحل عام 2022 كما رحلت الأعوام السابقة في العراق، مثقلا باليأس واستمرار غياب رؤية واضحة لمستقبل المشهد العراقي بعد عام من بدء أزمة الأحزاب الحاكمة في البرلمان، في ما يتعلق بمن له الحق في حكم البلاد، إذ طوى عام 2022 صفحة حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، ولن يطوى العام الجديد مرحلة الصراع على السلطة، بوصول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نتيجة عدم قدرة الطبقة السياسية على تجاوز انقساماتها الفئوية لإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية.