2024… عام دعم غربي للإرهاب الإسرائيلي

محمود الريماوي

لم يشهد العالم حرباً عالمية ثالثة، لكنّه شهد تهديدات بها، وعرف حروباً دمويةً في العام 2024، وكانت لمنطقة المشرق العربي حصّة كبيرة فيها، على نحو غطّى فترةً طويلةً الحرب في أوكرانيا، قبل أن يعود الاهتمام بالأخيرة مع فوز دونالد ترامب بالسباق إلى البيت الأبيض، واعداً بوضع حدّ لها، مستنداً إلى صداقته مع فلاديمير بوتين، وإلى وعده بالتحكّم في الدعم الأميركي للجانب الأوكراني، وكانت أميركا (ومعها حلف الناتو) طرفاً غير مباشر في هذه الحرب، التي تتمّم في فبراير/ شباط المقبل عامها الثالث، فيما تجاوزت الحرب على غزّة عامها الأوّل، وقد تخلّلتها هدنة قصيرة واحدة لأسبوع، ولعلّ أسوأ ما في هذه الحرب، علاوة على استهدافها المنهجي المشين للمدنيين وللمرافق الخدمية المدنية، أنها حظيت برعاية كاملة من إدارة جو بايدن، الذي يوصف حزبه الديمقراطي في الولايات المتحدة بأنه حزب تقدّمي.
وهكذا، بينما تعرّضت أوكرانيا لحرب من روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، فإن الحرب الإسرائيلية على غزّة جرت (وتجري) بدعم تسليحي ومالي وسياسي من أميركا، القوة العظمى في العالم، هذا رغم أنه لا صلة مباشرة بين الحربَين، إلّا أن هناك صلات جانبية. فروسيا تجتذب جزئياً الصين إلى موقفها من الحرب على أوكرانيا، فيما تجتذب أميركا كلّاً من بريطانيا وفرنسا إلى الموقف من حرب أوكرانيا، وحرب غزّة معاً. بهذا، فإن الدول الكُبرى في مجلس الأمن تبدو منخرطةً بصورة أو بأخرى، إمّا في حرب واحدة أو حربَين معاً، ممّا يدلّل على أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية أو على الأقلّ عالم ما بعد حرب فيتنام في ستينيّات القرن الماضي، ما زال مندفعاً إلى خوض الحروب المدمّرة، إمّا مباشرة أو بالوكالة العلنية، وأن اتفاقيات التعاون والأمن وتخفيض مستوى الأسلحة لم تفلح في الصمود أمام الشهيّة المتجدّدة للحروب، هذا جنباً إلى جنب مع التغنّي بالعولمة واتفاقيات التجارة الحرّة وفتوحات الذكاء الاصطناعي واتفاقيات مواجهة تغيير المناخ، وسواها من اتفاقيات لتعزيز الروابط بين البشر.

الأسوأ ممّا تقدّم أنه جرى (ويجري) في حالة الحرب على غزّة انتهاك سائر القوانين والقيم الدولية، التي طالما اعتبرها الغرب أيقونة له، وعمل على التبشير بها، فإذا بأميركا، ومعها دول غربية رئيسة، لا تخجل من دعم الحرب سياسياً بمواصلة شحن الأسلحة التي تستخدمها تل أبيب لتدمير الحياة البشرية في القطاع، المعروف بأنه واحد من المناطق الأعلى كثافةً سكّانيةً في العالم، وهو ما صدحت به أصوات محتجّين شبّان في عواصم الغرب. لكنّ الحكومات الديمقراطية في هذه العواصم لا تُصغي للاحتجاجات، بل إن مئات الأصوات من داخل إدارة بايدن ارتفع صوتها ساخطةً على الضلوع في الحرب على غزّة، من دون أن تتراجع هذه الإدارة عن نهجها غير الأخلاقي بالانخراط في حرب الإبادة، وذلك خلافاً لما اتخذته إدارة الديمقراطي بيل كلينتون إزاء حرب الإبادة في البلقان أواخر تسعينيّات القرن الماضي. وممّا يثير السخرية المريرة أن إدارة بايدن ما زالت تردّد تمسكها بـ”مكافحة الإرهاب” في العالم، في وقت تدعم إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضدّ كلّ مَن في غزّة، وبزعم أن ما يجري منذ أكثر من 14 شهراً هو من قبيل الدفاع عن النفس.
وكان من تداعيات حرب غزّة اندلاع حربٍ على لبنان وحزب الله، وغارات عنيفة متبادلة بين إيران وإسرائيل. ورغم أن الحرب على إيران توقّفت في الأسابيع الماضية، إلا أن من المرجّح أن تُستأنَف في بحر العام المقبل، أمّا الحرب على لبنان فقد شهدت وقفاً لإطلاق النار مع انتهاكات إسرائيلية واسعة، وشبه يومية، ومع محاذير جدّية من سعي إسرائيلي إلى التموضع الدائم في أجزاء من جنوب لبنان، وفي أجزاء من الأراضي السورية، وسط نشوة إسرائيلية بخوض الحرب على جبهات عدّة، وبالاستيلاء على أراضٍ هنا وهناك، ووسط “تفهّم” أميركي من شأنه بذر بذورٍ جديدةٍ لتجديد الصراع في مستقبل الأيام.
وبينما من المرجّح أن تنجح إدرة ترامب في العام المقبل في رعاية مفاوضات روسية أوكرانية وثبيت وقف إطلاق نار طويل الأمد، فإن الأمر ذاته غير مرشّح للتكرار في غزّة والضفة الغربية المحتلة، فأركان إدارة بايدن، ومنهم السفير في تل أبيب، هم ممّن يؤيّدون سياسة التوسّع، وممّن يعتقدون أن الاستيلاء الإسرائيلي على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وإنكار حقوق شعب فلسطين في أرضه، يوفّر مناخاً طيّباً لإحلال السلام. وتطوّرات الوضع سوف تكون مرهونةً بموقف عربي وفلسطيني حازم في مخاطبة ترامب بأن المدخل الإلزامي للسلام والتطبيع يتمثّل في ضمان الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك إقامة دولة مستقلّة.

على أن العام الموشك على الانصراف قد عرف، في الوقت نفسه، استمرار الحرب الطاحنة في السودان، وقد انتُهِكت فيها أيضاً القيم والقوانين، بالذات من قوات الدعم السريع، التي استخدمت المدنيين وقوداً لهذه الحرب، التي أريد بها الاستيلاء على السلطة وموارد البلاد، وتسبّبت بخسائر عشرات الآلاف من الأرواح، وبتشريد الملايين داخل البلاد وخارجها، وقد اندلعت هذه الحرب منذ أواسط إبريل/ نيسان 2023، من دون أن تكون للقوى الدولية الكُبرى يد في نشوبها، وقد كشف استمرار هذه الحرب عجزاً بنيوياً لدى النظام العربي الرسمي في معالجة النزاعات، كما لدى أطراف إقليمية أفريقية، وقد عملت تلك الأطراف على تغذية هذه الحرب بدلاً من السعي لإطفاء نيرانها. وتشكّل هذه الحرب مأساةً إنسانية كُبرى، خاصّة مع تجاهل استمرارها والاستنكاف عن وضع مبادرات وتوجيه ضغوط لوضع حدّ لها.
أمّا في بلد عربي آخر هو اليمن، فإن التراشق الحربي بين الحوثيين وتل أبيب قد جمّد مساعي إعادة وحدة شطري اليمن، وصرف الأنظار عن جهود إنهاء النزاع بين الحوثيين وبين الحكومة الشرعية اليمنية، علماً أن الصراع مع تل أبيب يستحقّ أن يواكبه إرساء سلام طال انتظاره بين اليمنيين.

شاهد أيضاً