السياسي – تحوّلت قرى ومدن الساحل السوري، خلال الأيام الماضية، إلى مسرح لعمليات قتل جماعية، استهدفت مدنيين، معظمهم من الطائفة العلوية، وذلك عقب الهجمات التي شنّها مؤيدون للرئيس المخلوع بشار الأسد ضد قوات الأمن. لكن من يقف وراء هذه المجازر؟
حتى الآن، لم تصدر السلطات الجديدة أي حصيلة رسمية دقيقة لعدد الضحايا، لكن التقارير الحقوقية تتحدث عن أعداد مروّعة. فقد أشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى وقوع “مئات القتلى”، بينهم عائلات بأكملها، في حين وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 1383 مدنيًا، غالبيتهم من العلويين.
الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي كان قاد “هيئة تحرير الشام” قبل توليه السلطة في ديسمبر، تعهّد بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم، مشددًا على أن “كلّ من تورّط في دماء المدنيين لن يفلت من العقاب”. كما أعلنت السلطات عن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للنظر في أحداث الساحل السوري.
-مجزرة على أسس طائفية؟
وفقًا لروايات الناجين وشهادات جمعتها منظمات حقوقية وصحافية، فإن عمليات القتل استهدفت مدنيين علويين بشكل خاص.
وأفادت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان أن “عائلات بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال والأفراد العاجزون عن القتال، قُتلوا في هجمات ذات طابع طائفي”.
ونقلت المفوضية عن شهود عيان قولهم إن “المهاجمين داهموا المنازل، وسألوا السكان عن انتمائهم الطائفي، علويين أم سنّة، قبل أن يقرروا قتلهم أو العفو عنهم بناءً على إجاباتهم”.
وأفاد شاهد عيان، رفض الكشف عن هويته، بأنه رأى “رجلًا وزوجته وطفليهما يُجبرون على الخروج من منزلهم في إحدى قرى اللاذقية، قبل أن يتم إعدامهم رمياً بالرصاص”.
وفي حادثة أخرى، قال أحد سكان مدينة بانياس إن مسلحين اقتادوا جميع الرجال من مبنى يقطن فيه شقيقه إلى السطح، قبل أن يعدموهم جميعًا.
-من قتل من؟
لم تعلن أي جهة مسؤوليتها المباشرة عن المجازر، لكن تقارير حقوقية وتحقيقات أولية تشير إلى تورط ثلاث مجموعات أساسية في عمليات القتل الجماعي التي تزامنت مع الحملة الأمنية على الساحل السوري.
ويقول الباحث الفرنسي سيدريك لابروس، المتخصص في شؤون شمال سوريا: “بعد دعوات التعبئة، تدفقت إلى الساحل السوري مجموعات مسلحة من مناطق مختلفة، لا ترتبط رسميًا بالسلطات الجديدة في دمشق”.
ويوضح أن المجموعات الثلاث التي نفّذت الهجمات تشمل:
– مقاتلين من إدلب، معقل “هيئة تحرير الشام” سابقًا، إضافة إلى مقاتلين من مناطق أخرى تسيطر عليها الفصائل الموالية لتركيا.
– قادة حرب سابقين وجنوداً انضموا لاحقًا إلى الجيش السوري الجديد، لا سيّما الفصائل المدعومة من أنقرة، مثل فرقة سليمان شاه (العمشات)، وفرقة الحمزة (الحمزات).
– جهاديين أجانب، بينهم مقاتلون قرغيز، وأوزبك، وشيشانيون، طُردوا من المنطقة مطلع يناير 2025 في محاولة من السلطات الجديدة لضبط الوضع الأمني.
وبحسب “هيومن رايتس ووتش”، فإن “المساءلة يجب أن تشمل جميع الأطراف، بما فيها “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، اللذان لديهما تاريخ موثق من الانتهاكات الحقوقية”.
-الساحل السوري.. بين نيران الفوضى والانتقام
منذ سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر، شهدت منطقة الساحل السوري هجمات متكررة ضد السلطة الجديدة، بينما وقعت انتهاكات واسعة ضد المدنيين العلويين.
وفي 6 مارس، أعلنت دمشق أنها واجهت هجمات استهدفت مقار أمنية ومباني حكومية، إضافة إلى مستشفيات، ما أسفر عن مقتل 231 عنصرًا من القوات الأمنية.
وفي تطور لافت، أعلن العميد الركن غياث دلا، أحد القادة العسكريين السابقين في نظام المخلوع بشار الأسد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، ما أثار مخاوف من تصاعد العنف أكثر في المرحلة المقبلة.
يُقدّر عدد العلويين في سوريا بحوالي 1.7 مليون شخص، أي ما يشكّل 9% من إجمالي السكان. وخلال 13 عامًا من النزاع، كانوا مهيمنين بشكل كبير على الجيش والمجموعات الموالية للأسد، التي نفّذت حملات قمع واسعة ضد المعارضين.
اليوم، لا تزال السلطات في دمشق تواجه تحديات أمنية ضخمة في إعادة فرض الاستقرار على الساحل السوري، بينما يتصاعد الضغط الدولي عليها لضمان تحقيق شفاف في الجرائم الأخيرة ومحاسبة الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم.
(وكالات)