3 مسارات لمفاوضات التهدئة في غزة لكن دون نتائج

يشير تقرير نشرته صحيفة هارتس ان الصعوبة في جهود التوصل إلى صفقة لا تكمن فقط في الموقف المتشدد الذي يبديه حماس، بل أيضًا في صراعات القوة داخل الحركة، في ظل غياب هرمية تنظيمية واضحة.

تتحرك جهود الوساطة من أجل صفقة الأسرى حالياً ضمن ثلاثة مسارات منفصلة، من دون وجود حلقة وصل تجمع بينها وتُنتج نتائج ملموسة. في المسار الأول، تواصل مصر وقطر اتصالاتهما مع حماس، وقد انضمت إليهما تركيا مؤخرًا، حيث استضاف وزير خارجيتها هاكان فيدان يوم الجمعة وفدًا من الحركة برئاسة محمد درويش، رئيس مجلس القيادة.

في المسار الثاني، وفق الصحيفة العبرية  والذي يُعيد إحياؤه ستيف ويتكوف، تحاول الولايات المتحدة “تحسين” الموقف الإسرائيلي وصياغة اقتراحات قد يقبل بها حماس. الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ساهم في ذلك بتغريدة هجومية قال فيها إن “أسرع طريق لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة هو أن يستسلم حماس ويطلق سراح الأسرى”، لكنها كانت تغريدة ناعمة نسبيًا مقارنة بتهديده السابق الشهر الماضي: “عليكم الاختيار – أفرجوا عن جميع الرهائن الآن، وأعيدوا فوراً جثث من قتلتموهم، أو سيكون هذا نهايتكم. أنا أرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة”. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن قناة الضغط الأمريكية الوحيدة تمر عبر القدس، حيث تتشكل غزة كتهديد داخلي على حملة ترامب الانتخابية.

أما في المسار الثالث، فتعمل دول الخليج بقيادة السعودية، مع فرنسا ودول أوروبية أخرى، على بلورة حل سياسي يتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية، وتشكيل هيئة لإدارة قطاع غزة دون مشاركة حماس.

تُواجه هذه المسارات الثلاثة جميعها موقفًا متصلبًا من حماس، عبّر عنه خليل الحية، نائب يحيى السنوار، بقوله: “لا جدوى من التفاوض في ظل حرب إبادة وتجويع تشنها إسرائيل على غزة”، مؤكداً أن العودة إلى طاولة المفاوضات مشروطة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع “بشكل لائق”. لكن حتى العودة إلى طاولة الحوار لا تضمن التوصل إلى صفقة، إذ لم تتغير مطالب حماس الجوهرية. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان الحية يتحدث عن صفقة جزئية أم صفقة شاملة، كما ورد في تصريحات “مسؤول أمني إسرائيلي”.

الصفقة الجزئية، التي أحرز فيها تقدم، قد تكون أكثر قابلية للتحقق مع فتح مسارات لتوريد المساعدات الإنسانية، لكنها لا تزال تواجه نقاط خلاف أساسية، مثل عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم ومدى انسحاب الجيش الإسرائيلي. أما الصفقة الشاملة، فهي أكثر تعقيدًا بكثير، لأنها تتطلب قرارًا إسرائيليًا بوقف الحرب، والانسحاب من معظم أراضي القطاع، وتشكيل كيان إداري فلسطيني – أو على الأقل فلسطيني-عربي. في المقابل، تطالب إسرائيل بتفكيك حماس من سلاحها، وإبعاد قيادتها الغزية، وعدم إشراك الحركة في إدارة القطاع.

من جانبها، أعلنت حماس استعدادها للتخلي عن دورها في حكم غزة إذا تم تشكيل “هيئة إدارية متفق عليها”، لكنها ترفض الإبعاد، وقياديوها أوضحوا أنهم لن يلقوا السلاح “إلا إذا أُقيمت دولة فلسطينية مستقلة”.

وفي الأثناء، أثار خليل الحية ضجة كبرى في مصر عندما توجّه بنداء إلى “شعب مصر، قادة مصر، جيش مصر، العائلات، المثقفين، الكنائس والنخب”: “إخوانكم في غزة يموتون جوعًا وهم على حدودكم، قريبون منكم… ارفعوا صوتكم لكي لا تموت غزة جوعًا ولكي تفتح مصر معبر رفح”.

النظام المصري، الذي يفرض قيودًا مشددة على الإعلام ويمنع التظاهرات المؤيدة لغزة، رأى في هذا النداء ليس فقط اتهامًا صريحًا للقاهرة بالتجويع، بل أيضًا محاولة لإثارة العصيان المدني، فجاءت الردود عنيفة. كتب الصحفي محمد السيد صالح في “المصري اليوم” أن “ممارسات القمع الإسرائيلية وتوسيع المستوطنات، التي تهدف إلى إفشال حل الدولتين، تصاعدت في العقود الثلاثة الأخيرة، لكن ما فعله حماس في عملية طوفان الأقصى أكثر خطورة بأضعاف”. وأضاف في مقاله أنه يعتقد أن “جزءًا كبيرًا من الرأي العام المصري والعربي” يشاركه رأيه.

ومع ذلك، أكدت مصر رسميًا أنها ستواصل جهودها في دفع المفاوضات قدمًا، رغم أن أدوات ضغطها على حماس محدودة.

نظريًا، قد تشكل المبادرة السياسية التي تقودها السعودية وفرنسا – والتي انضمت إليها دول غربية أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية (بشروط) – سلّمًا لحماس تنزل من خلاله عن سلاحها. وقد تستطيع الحركة أن تدّعي حينها أنها هي من حقق الحلم الوطني الفلسطيني، وليس منظمة التحرير أو السلطة. لكن هذه المبادرة تفتقر إلى دعامتين أساسيتين تمنحانها أفقًا واقعيًا: إسرائيل ترى فيها تهديدًا موجهًا ضدها وتعتبرها “جائزة للإرهاب”، والولايات المتحدة التي يفترض أنها تقف خلفها أوضحت موقفها عندما فرض ترامب عقوبات غامضة على قيادة منظمة التحرير ومسؤولين في السلطة الفلسطينية.

بشكل مفارِق، تتقاطع رؤية حماس مع موقفي إسرائيل والولايات المتحدة؛ إذ إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيُلزم الحركة بالاعتراف بإسرائيل، ونبذ الكفاح المسلح، وفقدان دورها في إدارة تلك الدولة وتحديد هويتها. ويؤكد مسؤولون في حماس أنه لم يتم التشاور معهم بشأن هذه المبادرة، ولا أحد سأل عن موقفهم منها.

مصدر فلسطيني في الضفة الغربية مقرّب من الحركة صرّح لصحيفة “هآرتس” أن مسألة طابع الدولة الفلسطينية المستقبلية نوقشت سابقًا ضمن حوارات المصالحة بين فتح وحماس، والتي أدت إلى إعلان تشكيل حكومة فلسطينية مشتركة. وكانت هناك تصريحات علنية من حماس باستعدادها لتبنّي كل الاتفاقات التي وقّعتها منظمة التحرير، بما في ذلك اتفاق أوسلو، والسعي لإقامة دولة فلسطينية، لكن “تلك التفاهمات تحطّمت لاحقًا، والتصريحات تم نفيها أو تعديلها بسرعة”.

وبحسب نفس المصدر، فإن “حماس اليوم في مكان مختلف، ولا يوجد من يتخذ قرارات سياسية مبدئية. الهرمية التي كانت تميز التنظيم في الماضي انهارت، ومجلس الشورى – الذي كان يضع الخطوط الأيديولوجية ومنها تُشتق الاستراتيجية – أصبح هيئة ضعيفة، منقسمة، ولا تملك السيطرة على الأرض”. وهذا هو حال مجلس القيادة أيضًا، الذي أُنشئ بعد اغتيال إسماعيل هنية في يوليو 2024، ويتولى إدارة شؤون الحركة اليومية. يضم المجلس شخصيات مثل خالد مشعل، خليل الحية، مسؤول الضفة الغربية زاهر جبارين، الأمين العام نزار عوض الله، ودرويش الذي يترأسه ويقود مجلس الشورى أيضًا.

الانسجام مفقود بين أعضاء هذا المجلس، سواء على المستوى الشخصي أو السياسي أو الأيديولوجي. يكفي أن نذكر أن نزار عوض الله كان خصمًا سياسيًا ليحيى السنوار ونافسه على رئاسة المكتب السياسي في غزة. خالد مشعل، الذي قطع علاقة الحركة مع سوريا بسبب مجازر بشار الأسد، ما أدى إلى قطيعة طويلة مع إيران، يُعتبر اليوم شخصية “معتدلة” تدفع نحو التسويات وإنهاء الحرب، بينما يُنظر إلى درويش على أنه مقرّب من دوائر خامنئي.

تُضاف إلى هذه الخلافات الشخصية والأيديولوجية حقيقة أن الحركة تفتقر حاليًا إلى شخصية قوية وكاريزماتية قادرة على اتخاذ قرار وفرضه على القيادة. وبحسب مصادر نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، فإن هذا يتجلّى في لجوء الحركة مؤخرًا إلى التشاور مع تنظيمات فلسطينية أخرى، كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، كلما تلقت اقتراحًا من الوسطاء – بينما في الماضي، لم تكن تعير لمواقفهم اهتمامًا يُذكر.

من الصعب تقدير كيف ستؤثر توسعة دائرة المشاورات على مسار التفاوض، كما أنه ليس من الواضح إلى أي مدى يلتزم من يحتجزون الأسرى فعليًا بتوجيهات قيادة حماس. الفرضية السائدة هي أن مجرد خوض نقاش تفصيلي حول نقاط الصفقة قد يشير إلى أن حماس-الخارج قادرة على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، لكن لا توجد أي ضمانة لذلك.