365 في 365!

د. صبري صيدم

عام كامل على حرب تدور رحاها على أرض تبلغ مساحتها عدد أيام السنة الواحدة! نعم 365 كيلومتراً مربعاً يواجه حرباً استمرت 365 يوماً، وما زالت مستمرة، في محرقة هدفها وأد الهوية الفلسطينية واغتيال الشعب الفلسطيني. قصف وحرق ودمار وتخريب وتجريف وتنكيل واعتقال واقتلاع، في مقتلة إبادية ماحقة تطال البشر والشجر والحجر، وبغطاء ودعم وتسليح وحماية وإسناد وتواطؤ  أمريكي.
عام كامل لم يبق معه حجر على حجر، ولا شجرة على شارع، ولا سرير في مشفى، ولا منبر في مسجد، ولا قنديل في كنيسة، ولا طالب على مقاعد الدراسة، جامعيا كان أم مدرسيا. ومع ذلك فإن هذا الكم من الدمار لم يشفِ غليل نتنياهو فكثف من حربه المشتعلة أصلاً في الضفة الغربية، لتستعر نار التمدد الاستيطاني، ومصادرة الأراضي، وإطلاق العنان لعصابات المستوطنين بعد زيادة تسليحهم، وتهجير التجمعات البدوية، وهدم مدارس التحدي واعتقال مديريها ومعلميها، وتهويد الأغوار، وترويع السكان الفلسطينيين الآمنين، في القرى والتجمعات السكانية على اختلافها، واقتحام المخيمات، وتجريف البنى التحتية فيها وفي المدن التي تقع تلك المخيمات في محيطها، وقصف السكان في المخيمات، وهدم البيوت، وزيادة نقاط التفتيش، وإغلاق القرى والمدن ببوابات حديدية متكاثرة، وخفض الحصة المائية الشحيحة أصلاً، التي كانت متاحة للفلسطينيين، وتصاعد وتيرة اقتحامات المسجد الأقصى، وأداء صلوات ملحمية فيه، والنفخ بالبوق وفق الطقوس التلمودية.

كل ذلك جرى ويجري وفق قرار ذاتي ووكالة حصرية منحها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لنفسه، لصياغة شرق أوسط جديد يمتد من الفرات إلى النيل، خالٍ من الفلسطينيين، شعباً وهويةً وتاريخاً وثقافةً. شرق أوسط ممهور بنزوات نتنياهو وأحلام يقظته، معمد بدماء إخوة وأخوات الفدائي الفلسطيني الأول، السيد المسيح. استعلاء واستكبار واستفراد واستهبال، صاغت مجتمعة رؤية نتنياهو في حرب على من أسماهم بالعماليق، وفق رواية تلمودية مزعومة يحاول أصحابها الترويج لشرعنة قتل فلسطينيي اليوم، الذين قال عنهم الحاخام المتطرف إلياهو مالي بأنهم: «أولئك الفلسطينيون الذين لم نقتلهم بالأمس»، وأن نساءهم: «هن من ينجبن إرهابيي الغد». كل هذا الهم والكرب الذي حظي بتعاطف عالمي غير مسبوق على مدار الـ365 يوماً المنصرمة، إنما تجاوزه البعض مع احتدام النفاق الذي شهده العالم قبل يومين، وبالتحديد مع حلول ذكرى مرور عام على السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث اختارت ثلة من البعض القليل من زعماء العالم وشخصياتها الرسمية والاعتبارية أن تتغاضى عن كم المآسي المذكورة أعلاه لتجامل نتنياهو على حساب شعب بأكمله، عاش ويعيش إبادة جماعية لا تتسع معاجم اللغة لمفردات كافية لوصفها. الفلسطينيون لا يحبون الموت ولا يريدونه لغيرهم مهما كانت معتقداتهم ومشاربهم، لكنهم لا يحترمون من يتناسى آلامهم وشهداءهم وأوجاعهم وأسراهم ومعتقليهم، الذين يزيد عددهم عن 11 ألف أسيرة وأسير يعيشون اغتصاباً وتعذيباً وحرماناً متواصلاً من دون أن يذكرهم منافقو الاحتلال. لقد برهنت 365 يوماً من ذبح الفلسطينيين على قتامة المشهد، لكنها برهنت أيضاً على  السقوط الأخلاقي للبعض، الذين ما زالوا يوفرون الحماية والدعم والتسليح والفيتو للاحتلال، بينما يتقاعس البعض في أداء دوره في المحافل الدولية، تجاه دعم إقامة دولة فلسطينية، ووقف شحنات السلاح لإسرائيل، وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية.
لقد شهدت السنة الماضية استشهاد 2% من سكان قطاع غزة، ومصادرة 68 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وتهجير ما يربو عن 30 تجمعاً سكانياً فلسطينيا في الضفة الغربية، و2 مليون فلسطيني في غزة، فهل ينتظر العالم 365 يوماً آخراً ليستفحل القتل والتقتيل أكثر فأكثر قبل أن يستفيق؟ لنعمل ونرى!
كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً