يُنظم العراق بطولة خليجي 25، في مدينة البصرة، وواضح أن دبلوماسية الرياضة أضحت أكثر فعالية من غيرها، وخاصة بعد الروح التي بعثها مونديال قطر في ضمير الشعوب العربية. وهناك تطلع شعبي كبير في العراق لهذه المناسبة، نستطيع أن نرصده في السوشال ميديا، ولكن السؤال الكبير لا يزال قائماً:
أين هو واقع العراق اليوم من زمن ذاكرة احتلاله، في أبريل 2003، ونحن نتحدث عن عقدين من الزمان؟ ما هو واقعه، وما واقعنا معه نحن العرب وبالذات عرب الخليج؟
هناك الكثير مما تغير وهناك الكثير مما لم يتغير، أما التغير فالعراق اليوم ليس محكوماً بقوة الأمريكيين العسكرية، مهما ظل الترابط مستمراً، ولكن عراق 2023 تحول تماماً، ومنذ زمن، إلى العراق المحكوم بقوة بالقرار والنفوذ الإيراني، والسؤال المرتبط هنا هو: هل غيرت القطيعة أو الانسحاب العربي من هذا المشهد أم عزّزته؟ كيف نحسم ذلك؟ نحتاج إلى دراسة مستفيضة! تلك قصة أخرى.
لكن المؤكد أنك ترصد حجم المعاناة لدى الشعب العراقي من واقع الفساد الفلكي.
حسناً.. لكن الفساد يضرب باقي الدول العربية، بل والخليجية منها، فلماذا يُخصص العراق هنا؟
إن القضية هي أن العراق فعلاً في مأساة أكثر تمايزاً، فنظام الاستبداد الذي أسقطه الاحتلال المزدوج، هيأ أرضية بنية تحتية وتعليمية وحتى معيشية، ولو تجنب الحروب الحمقاء، لخلق عراقاً قوياً عصياً على كل الدول الإقليمية، أما اليوم فالديمقراطية الأمريكية الشكلية أضحت غطاءً لفساد غير محدود، دون أي تحسن يُذكر أو يشار إليه في حياة الشعب، وهنا الفارق، أن بقية الدول ربما عُوضت نسبياً، في خدمات وبنية تحتية ومشاريع صحية وغيرها، وأُكل ما أُكل في هامشها.
هنا العراق تطوف في أعماقه جداول النهب، ولا يرى الشعب أثراً رغم كل الميزانيات الفلكية، المعلنة المعتمدة أو المخفية، ولذلك نستشعر حسرة العراقيين، ولكننا أيضاً نحتاج أن نقترب منهم، وأن نفهم معنى هذه الروح التي تطل من المدرجات، رغم أن أنفاس العروبة مكتومة في العراق، وروح الإنسان مسحوقة تحت مظلة الولي الفقيه وسندان أسواق الجمهورية الطائفية، وقبة مخابراتها.
فإنسان العراق يتطلع من خلال هذه السُّحب السوداء إلى شعاع من نور الجوار العربي، يخفف عليه أحزانه، رغم كل حسابات المستثمرين في هذه البطولة وخارجها.
ويُذكّره بأننا لا نزال إخوة، وأن الخليج العربي العراق هو عصابة رأسه، كما أن اليمن هو حزامه الجنوبي، حيث الجزيرة العربية التي تحيط بالخليج.
وبالطبع لا تزال تلك الأجنحة المتطرفة حاضرة، فما علاقة علم الحشد الطائفي المتطرف ببطولة جامعة للعرب، ماذا يريدون في رفع راية حقدهم وكراهيتهم، لتنصب في المدرجات؟ رغم أن كل تشكيلات الحكومات تخضع لقوى تابعة أو حليفة لهم.
وهو دلالة مؤسفة بأنه حتى مساحة الحراك الثقافي والرياضي سيظل يتربص بالعراقيين وإخوتهم العرب، وأمل شباب بغداد الذي يسعى لكسر الحاجز الطائفي، وإعادة العراق إلى إنسانيته المغتالة بين إرث داعش ومنظمات إيران الإرهابية الطائفية، فالإرهاب يجمع هذا التوحش، ويجمعه كراهية أن يُحلّق إنسان العراق خارج سرب الفكر الظلامي.
ومع كل ذلك لا بد من أن نستثمر كل فرصة تَواصل ونُحيِي الجسور، وهذا أيضاً يطرح علاقتنا بالأشقاء الأكراد، وأهمية التلاقي في منتديات فكرية وثقافية، ومواسم مشتركة في أربيل، ولو سألت ببساطة ما الذي سمح لأربيل أن تتميز مدنياً، وأن تحتضن الفرقاء العراقيين، وتكون أكثر استقرار اجتماعياً، حتى من السليمانية المدينة الشقيقة، لكان الجواب واحداً، وهو بُعدها عن البؤرة الإيرانية، واستقلالها عن الخيمة الطائفية، فهنا يكون الإسلام جامعاً أخوياً، ومله