العراق عراق الأصالة والعروبة والشهامة والجذر العريق , ركل كرة الشر على الأعداء

د. سلمان لطيف الياسري
أمد/ ليس مطلوبا من أحد أن يبرهن على عروبة العراق، فهذا الأمر جزء حي من بنية هذا البلد وتاريخه وثقافته والوعي القومي لأبنائه، وهو حاضر في العشائر العربية التي تسكن معظم أرجائه وتشكل الغالبية العظمى من أبنائه، ولن يكون لائقا ولا عادلا أن يعمد أحد إلى مناقشة مسلمة تتعلق بعروبة العراق الآن بعد آلاف السنين من استيطان العرب فيه وإعماره وتأسيس أولى الحضارات الإنسانية على أرضه، لكنه من المهم العمل لرد التشكيك في هذه العروبة الذي بدأ مع بدء الاحتلال ولم ينته مع الصيغة التي تضمنتها مسودة الدستور حول هوية العراق.

عروبة العراق مسلمة لا يمكن تجاهلها أو حتى محاولة البرهنة عليها فهي واقع يمتد لآلاف السنين ويمثل بنية العراق الثقافية والحضارية والبشرية

لقد كان العراق ولا زال وسيظل جزءا لا يمكن فصله او تجزئته من كينونة الأمة الإسلامية العربية , وهذا هو السر في كون العراق كان وما زال وسيظل عصيا وصامدا في وجه كل المحاولات الخارجية او الداخلية الآثمة لتجزئته وتقسيمه وإبعاده عن إسلامه وعروبته , وقد تنبهت الامبراطورية الاميركية وغيرها من الدول الاستعمارية التي كان لها أطماع من وراء احتلال العراق إلى نقطة هامة هي من ابرز النقاط التي جعلت من الولايات المتحدة الاميركية وغيرها تسعى إلى غزوه او المساعدة في ذلك العدوان بتلك الطريقة الهمجية التي ستظل إلى الأبد وصمة عار لكل الديمقراطيات في العالم , ألا وهي أن العراق هو احد أهم وابرز الخطوط المناعية لحماية الجسد العربي من الاختراق الخارجي , وبالتالي فإن غزوه واحتلاله ضروري وهام للغاية لتحقيق بقية الأهداف العدوانية الاميركية الإسرائيلية من وطننا العربي بشكل عام والعراق على وجه الخصوص , بل مهم لدرجة الاستعجال وعدم انتظار أي قرار أممي نابع من مبررات حقيقية وقانونية وشرعية وليس مبررات زائفة ومبنية على التهديد والوعيد كما فعلت الولايات المتحدة الاميركية مع كثير من الدول التي رفضت فكرة غزو العراق وقاومتها منذ البداية.

وكما هي المبررات الواهية للغزو والتي بدأت بمزاعم أن العراق يحاول صنع أسلحة دمار شامل وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشان إعطاء بيانات كاملة عن ترسانته من تلك الأسلحة المحظورة , مع انه لم يتم اكتشاف أي من تلك الأسلحة إلى يومنا هذا , وكذلك برواية العراق الإرهابي الذي يرتبط بتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية الدولية.

تلك الأعذار التي اخفت وراءها الأسباب الحقيقية لتلك الجريمة التاريخية النكراء بحق هذا الجزء العزيز من وطننا العربي , وأبرزها على الإطلاق حماية الكيان الإسرائيلي مما اعتقدت الصهيونية الاميركية الإسرائيلية انه تهديد خطير قادم عليها من هذا البلد العربي , حيث شكل العراق منذ البداية قوة عربية هائلة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية , وكان من ابرز الدول العربية التي ساندت ودعمت القضية الفلسطينية في كل مراحلها , وعليه فإن غزو العراق سيمكن الحكومة الإسرائيلية من وضع حل نهائي للقضية الفلسطينية , او سيعطيها الوقت الكافي لفرض قوتها وهيمنتها على فلسطين في ظل عدم وجود أي منغصات تحول دون تلك الغاية , كما بين ذلك العديد من القيادات الإسرائيلية والاميركية بعد ذلك العدوان , تلك القيادات التي طالما أعلنت أن العراق ـ واليوم توجه نفس التهمة إلى الجمهورية العربية السورية ـ على أنهما جزء من معوقات الحل النهائي للقضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط , ( وبالتالي تقرر صهيونياً وأميركيا تدمير العراق وليس إسقاط نظامه فقط ، فالذي وجد في العراق كان ذخيرة للمستقبل العربي ) بأكمله.

هذا بخلاف الكثير من الأهداف الامبريالية الاستعمارية التوسعية التي كانت الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها إسرائيل تطمح لتحقيقها من وراء احتلال العراق العربي , وعلى رأسها المياه العراقية التي سيتم تحويلها لإطفاء الظمأ الإسرائيلي المتزايد , والذي تدرك القيادة الإسرائيلية من انه وبدون هذه المياه ستكون إسرائيل في وضع اقتصادي صعب يهدد حياتها وبقاءها بالخطر والفناء , هذا بالإضافة إلى النفط العراقي الذي يشكل ثاني اكبر احتياطي في العالم , والذي طالما شكل ارقا متزايدا للقيادات الاميركية المتوالية والذي اعتبرته تهديدا لا يمكن السكوت عليه مطلقا , وخصوصا في ظل وجود قيادة ينظر إليها الساسة في البيت الأبيض على أنها من اشد القيادات عدائية وإرهابية وتهديدا لمصالحها في الشرق الأوسط , وقد زاد ذلك الإحساس بالتهديد والخوف بعد القرار العراقي في العام 2000 باستعمال اليورو ليكون العملة الوحيدة لشراء النفط العراقي.

هذا بالإضافة إلى الطموح الأكبر والذي طالما تكلمت عنه تلك القيادات الاميركية المتوالية وهو ” الشرق الأوسط الجديد ” , الذي لابد أن تكتمل السيطرة عليه بأكمله , وبالطبع فإن ذلك لن يكون ممكنا سوى بالدخول من البوابة العراقية , وهذا ما وضحته مذكرة جيني- رامسفيلد- ولفوتز التي كتبت عام 2000 والتي تمهد لدور استراتيجي أكثر فاعلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط , ( وتعني الترجمة الشرق أوسطية لهذه الأجندة العمل على التحكم بمنابع الطاقة , واحتياطياتها في العراق ومن ورائه في منطقة الخليج بأسرها وإخضاعها لأهداف الاستراتيجية المهيمنة ، كما تعني تعزيز التحالف الأميركي الإسرائيلي لقطع الطريق على أي معارضة إقليمية عربية وأخيرا تقزيم الدول العربية وترويع نخبها وأنظمتها لمنع نشوء أي حركة تعاون أو اندماج أو تفاهم إقليمي ينتج عنه ازدياد في هامش مناورة المجتمعات العربية الاستراتيجي وربما احتمال تحول تدريجي في ميزان القوى الإقليمية)

المهم في الأمر بأن غزو العراق قد تم , وقد دخلت القوات الاميركية الغازية المحتلة إليه , فهل وجدت الإمبراطورية الاميركية ما كانت تبعث عنه ؟ وهل حقا أن تلك الامبراطورية سعت إلى غزو العراق لمجرد أن العراق يمتلك أسلحة محرمة قد يهدد بها إسرائيل او المصالح الغربية المنتشرة في هذا الجزء من العالم وقد ثبت عدم وجودها أصلا , أم من اجل نفط لم تتمكن الحكومة الاميركية من السيطرة عليه او الاستفادة منه إلى يومنا هذا ؟ ربما كانت تلك هي الأهداف الظاهرة والمبررات الاستراتيجية لذلك العدوان البربري الآثم على العراق , ولكن تبين بعد ذلك بأن هناك حقيقة أخرى , هي أكثر خطورة من ثروات العراق وخيراته المادية , حقيقة أن ذلك الغزو قد كان لأهداف اكبر من تلك المذكورة سابقا , أهداف بعيدة المدى وعلى رأسها إدخال هذا الجزء من العالم العربي في خضم الفوضى وعدم الاستقرار , وذلك من اجل أهداف مستقبلية وعلى رأسها تقسيم هذا الوطن العربي إلى أجزاء متفرقة ومتباعدة من اجل سهولة السيطرة والانقضاض عليه , وقد مثلت ” سياسة أحجار الدومينو ” انسب وسيلة لذلك العدوان , وقد كان العراق العربي العزيز البداية لذلك المشوار الطويل الذي قد يمتد إلى الجمهورية العربية السورية والسودان وغيرها العديد من الأقطار العربية المستهدفة.

وقد ثبتت تلك الحقيقة التي تقول بان العراق قد تم استهدافه من اجل تحطيم عروبته من خلال العديد من الملاحظات التي سبقت الغزو وواكبته واستمرت إلى ما بعد ذلك , ومن أبرزها على الإطلاق تدمير وتفكيك المؤسسات العراقية العلمية والثقافية والأدبية التي تهتم بحفظ ورعاية تراث العراق العربي كمراكز الآثار والأبحاث والمراكز العلمية والأدبية والتراثية وأهمها المتاحف العراقية التي نهبت تحت أنظار القوات الأميركية والتي كانت من أهم ذخائر وثروات الأمة العربية , كذلك من خلال تصفية كوادر العراق العلمية والثقافية والسياسية وممارسة القتل على الهوية ونشر الفوضى وتعميق الطائفية السياسية والسعي المتواصل والمستمر لطمس الهوية الوطنية لشعب العراق , واستئصال الفكر القومي العربي وطمس عروبة العراق من خلال السعي لإعادة تركيب المجتمع العراقي على قواعد التقسيم العرقي والطائفي , وغيرها الكثير مما يثبت أن تفتيت عروبة العراق كان على أولويات الغزو الاميركي ومن أهم أهدافه على الإطلاق.

ولكن ورغم كل تلك الضربات الموجعة للجسد العراقي العربي منذ القديم والى أيامنا هذه , ظل العراق لابنائه وغادر المستعمر مدحورا منحورا , يجر خلفه أذيال الخيبة والصغار , وقد ثبت تاريخيا رفض ذلك الجسد العربي الطاهر لكل موجات التغيير والاحتلال بداية من البيزنطيِّين والتتار والمغول والاحتلال البريطاني المقيت واليوم بهذا الاحتلال الاميركي الكريه , تلك الضربات التي هدفت إلى زرع الفتنة والبلبلة بين أبنائه , او تقسيمه وتجزيئه إلى أقسام او ” فدراليات ” طائفية او عرقية قد باءت بالفشل , وظل العراق متوحدا صامدا قويا لا يمكن استئصال عروبته او انتمائه لهذا الوطن العربي العزيز بالقوة والسلاح , فالعراق عربي حتى النخاع , عربي في كل مساماته , عربي بالدم والفطرة والعقيدة والانتماء , ولهذا فان ( عروبة العراق مسلَّمة وحقيقة تاريخيَّة لا تستطيع قوى هامشيَّة ولدت خارج رحم التاريخ من تغيرها , وإنَّ محاولات تغيير هويَّة العراق القوميَّة تبقى محاولات عبثيَّة غير مجدية , وإذا كان الاحتلال قد أوجد مناخًا شاذًّا ملائمًا لنموِّ الطفيليَّات العنصريَّة وتكاثرها ، فإنَّ هذا الوضع استنادًا على كلِّ الحسابات يبقى وضعًا مؤقَّتًا وزائلاً لا محالة )

 

تبقى العروبة تتجدد كلما حاول غبار التآمر عليها أن يغطي ملامحها بين الحين والآخر ومنذ بدايات العصر الراشدي إلى اليوم حيث كانت حروب الردة التي حاول بعض المدسوسين  الأجانب على  الإسلام تفتيت الدين الذي  بدأ العرب نشره بعد نزول الوحي الإلهي على النبي العربي محمد صلى الله عليه و على اله و صحبه و سلم وإفشال مهمة العرب  في إيصاله إلى العالم من خلال ادعاءهم النبوة وجعل عدد من المسلمين يرتدون عن دينهم فكانت حروب الردة هي أول رد حاسم على تلك المؤامرات الخبيثة ثم تواصل التآمر خلال الخلافة الراشدة حيث توالى قتل الخلفاء الراشدين رضي اللّه عنهم على يد المدسوسين الأجانب وهكذا استمر هذا التآمر في كل العهود الإسلامية التي كان يقودها العرب فكانت مؤامرة البرامكة  ثم  الغزو المغولي الهمجي ثم استيلاء العثمانيون على الخلافة الإسلامية والذين لم يتركوا للعرب متنفسا من خلال سياسة التتريك التي اتبعوها في كل البلاد العربية حيث عملوا على تغيير المنطقة العربية ديمغرافيا فقاموا بمنع العرب من تولي اي منصب في الولايات والجيوش حتى في الولايات العربية ثم قاموا بمنح مواطنيهم الاتراك مساحات  ومناطق عديدة من ارض العرب موزعين على كل ساحة الوطن العربي الكبير وبدقة عالية  بحيث لا نجد قطر عربي الان يخل من الإخوة التركمان الذين اثبتوا مشكورين حبهم لانتمائهم للبلدان التي يسكنون فيها وحرصهم على سلامتها وعدم القبول بالمساس بها ثم المجازر الكبيرة التي قام الاسبان والبرتغاليون في الأندلس ضد العرب حتى جاء عهد الإنتدابات اللعين  الذي زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي و عمل على تشتيت العرب في دويلات متناحرة فيما بينها وفي كل دويلة هناك تناحر فئوي لم ولن ينتهي حتى قيام الساعة بسبب عمق الفتن التي زرعها المحتلون في الارض العربية وبين اهلها  وفي كل مرحلة من مراحل تلك المؤامرات كان العرب يقاومون وينهضون من جديد ليثبتوا لأنفسهم ولأعدائهم انتمائهم العربي وتمسكهم بهذا الانتماء واليوم ونحن نعيش لعبة (الشعب يريد) ويصرخ ويعاني من الظلم والفقر وتعيين الحكام  من الخارج بدون الاهتمام  لاختيارات الشعب لمن يحكمه من خلال الديمقراطية المسلفنة التي صنعت خصيصا للعرب خلال ما سمي زورا بالربيع العربي والذي مَثل ويُمثل الان اكبر وأخطر مؤامرة استهدفت العرب وعروبتهم عبر التاريخ حيث جعل اغلب الارض العربية تلتهب نارا بسبب الفتن التي اختلقتها الأطراف الأجنبية التي اعدت الربيع العربي الاسود وقامت بتوزيعه بانتظام على مساحة الوطن العربي  حتى جعلت من المواطن العربي يهزأ من انتماءه لعروبته ويسخر منها بل ويهجرها الى البلاد الاخرى او النزوح داخليا والسكن في مخيمات في مناطق اكثر آمنا  ولكن العرب الشرفاء على مساحة الارض العربية اثبتوا للعام كله أنهم عرب وأنهم فخورون بعروبتهم وما شهدته احداث عام 2022 خير دليل على فشل كل مؤامرات المتآمرين في تشتيت العرب وسلخهم من قوميتهم التي هي فخر لهم ولكل من امن برسالتهم التي ادوها بتفان وإتقان فنشروا الدين الاسلامي على اوسع مساحة من الأرض فكانت حادثة الطفل المغربي ريان المأساوية قد جمعت العرب تضامنا مع ابنهم العربي في المغرب ثم جاء النجاح الباهر لقطر في تنظيم كأس العالم والنجاحات الرائعة للفرق العربية المشاركة فيه وخصوصا المنتخب العربي  المغربي ليعيد للعروبة بريقها وعزتها وافتخار أهلها بها وها هو العام الجديد 2023 يقدم  لنا ولكل العرب والعالم من خلال البصرة العربية العراقية الفيحاء افخر دروس الحب العربي للعروبة حيث الترحيب المنقطع النظر بأشقائهم عرب الخليج العربي فرقا رياضية وجمهورا مصاحبا  المشاركين في بطولة كأس الخليج العربي الخامسة والعشرين التي استضافتها البصرة الحبيبة فكان الترحيب بالعروبة وكانت الضيافة والاعتزاز  بالعرب من قبل أهل البصرة العربية حديث العرب والعالم كله ودرسا بليغا لكل من يحاول إلغاء الهوية العربية ومحو الوجود العربي من الأرض فمجدا ومجدا ومجدا لأهل البصرة الغيارى الذين رفعوا راية العروبة خفاقة في البصرة والعراق والخليج العربي بل وكل الوطن العربي الكبير لتقول  لأولئك الحالمين باقتسام ارض العرب وطرد أهلها منها ونهب ثرواتهم كفاكم فإن العروبة باقية وارضهم عصية عليكم بإذن الله تعالى.

 

لاتنسى وتذكر وتفكر– الحرب التي تشنها ايران على الشعب العراقي عبر القوى العميلة لها، واستماتتها من أجل منع أي تقارب مع الدول العربية والحيلولة دون استفادة العراقيين من الاستثمارات العربية، وقلت ان وراء هذا ليس فقط أسباب اقتصادية، ولكن أسباب أبعد.

الذي حدث انه بعد غزو واحتلال العراق، أفسحت أمريكا المجال واسعا، وعن عمد، أمام ايران كي تجتاح الساحة العراقية على كل المستويات وتسعى للهيمنة على مقدراته.

منذ ذلك الوقت، وضع النظام الإيراني هدفين رئيسيين لتحقيقهما في العراق يمثلان بالنسبة له أهمية استراتيجية كبرى اذ هما جوهر المشروع الإيراني:

الهدف الأول: محاربة عروبة العراق والعمل على فصله عن محيطه العربي.

مسئولون وكتاب إيرانيون أعلنوا مرارا صراحة ان أحد أكبر ما تسعى اليه ايران هو دفع العراقيين للتخلي عن عروبتهم وروابطهم مع الأشقاء العرب والتحالف الدائم مع ايران.

ايران تعتبر منذ البداية ان العروبة هي حائط الصد الأول امام أطماعها التوسعية في العراق، وانها لا يمكن ان تستمر في تحقيق أهدافها في ظل تمسك الشعب العراقي بعروبته.

والهدف الثاني: إبقاء العراق بلدا ضعيف ومنهكا وغارقا في الصراعات، والحيلولة دون وجود دولة عراقية قوية في أي وقت وأ ي ظرف.

ضعف العراق وتمزقه وافتقاده للقوة هو أيضا اكبر شروط قدرة ايران على الهيمنة على مقدراته.

منذ ما بعد الغزو والاحتلال مباشرة شرع النظام الايراني في تنفيذ مخططه سعيا لتحقيق الهدفين الكبيرين، واتبع في ذلك عشرات من السياسات والسبل الاجرامية.

قبل كل شيء، أنشات ايران العشرات من المليشيات والقوى العميلة لها كي تكون ذراعها الطولى وأداتها الأكبر لتحقيق مشروعها في العراق، او بالأصح للعمل على فرض هذا المشروع بالقوة والإكراه والترهيب.

هذه المليشيات كما يعلم الجميع عاثت في العراق تخريبا وتدميرا وفرضت السطوة الإيرانية على كل حكومات العراق.

والنظام الإيراني عمل بعشرات الاساليب على اغراق العراق في الطائفية وحرص على ان يبقى الصراع الطائفي محتدما وكلما خمد سعى الى اشعاله. ايران حاولت ان تدفع الشعب العراقي للاعتقاد بأن هويته طائفية متطرفة وليست عربية.

النظام الإيراني يعتبر تكريس الطائفية بديلا لعروبة العراق، وضمانا للرضوخ للمشروع الايراني.

وايران حاربت أي محاولة عراقية لبناء قوة من أي نوع في أي مجال.

ينبغي الا يغيب عن الذاكرة هنا ان النظام الإيراني اغتال مئات من العلماء والخبراء العراقيين في جريمة كبرى.

والنظام الإيراني أجبر كل الحكومات العراقية على وقف أي محاولة لبناء ع او التوسع في الزراعة و وتحقيق أي اكتفاء من أي منتجات.. وهكذا.

وكما ذكرنا حارب النظام الإيراني أي محاولة من أي حكومة عراقية للتقارب مع الدول ا العربية الشقيقة.

على هذا النحو اذن يشن النظام الإيراني الحرب على عروبة العراق واستقلاله.

لكن النظام الإيراني خسر هذه المعركة.

الشعب العراقي شعب عربي أصيل عريق له اسهاماته التاريخية الكثيرة للحضارة العربية وفي ترسيخ العروبة عبر عقود طويلة.

الشعب العراقي أثبت ان النظام الإيراني يعيش وهما كبيرا حين يتصور ان بمقدوره سلخ العراق عن عروبته او ابقائه بعيدا عن اشقائه العرب.

الشعب العراقي اثبت انه لم يتخل يوما ولم يفكر أصلا في ان يتخلى عن عروبته ويقبل بمشروع ايران الطائفي التحريبي.

حين خرج الشعب العراقي في انتفاضته الكبرى، كان أول ما طرحه من مطالب إخراج ايران وانهاء وجودها في العراق وتحقيق الاستقلال الوطني الكامل وإقامة الدولة القوية والعودة الى محيطه العربي، وانهاء النظام الطائفي.

ومع هذا، لن يوقف النظام الايراني حربه من أجل اخضاع العراق والهيمنة على مقدراته واستهداف عروبته واستقلاله. وما زال يملك من الأدوات وسبل الارهاب ما يمكنه من مواصلة هذه الحرب.

لكن الأمر المؤكد انه في نهاية المطاف ومهما طال الزمن، ستخرج ايران من العراق وسيقتل الشعب العراقي مشروعها، وسيخرج العراق عربيا قويا.-

 

توظيف الدوري الخليجي لكرة القدم في العراق توظيفاً سياسياً عن جدارة قامت به حكومة العراق، ومعها الشعب العراقي وبالأخص الجنوبي البصراوي.

إنه «استعراض للعروبة» بطريقة مبالغة مقصودة، وكأنه تجديد ولاء للعرق العربي والقومية العربية، إنه إعلان انتماء للعروبة، هو صرخة ضد نظام الملالي، وتأكيد على فشل عشرين عاماً من محاولات طمس الهوية العربية في العراق التي مورست ضدها، هي إذاً معركة هوية أكثر منها دورة كروية.

أصر أهل البصرة الجنوبية ذوو الغالبية الشيعية أن يؤكدوا اليوم جينات العروبة التي ما زالت تغمرهم، هم عرب أياً كانت ديانتهم وأياً كان مذهبهم. أصروا عليها بدءاً من عنوانها. أصروا فيها على كلمة «العربي» رغم اعتراض إيران الذي وصل لتقديم شكوى رافضة تسمية الدورة بالخليج العربي، واستدعاء السفير العراقي في طهران، وإبداء الاحتجاج رسمياً على الإصرار على تسمية كأس الخليج العربي.

العراقيون لم يكتفوا بالتسمية، بل أصروا على عروبة التنظيم فكلّفوا شركة بحرينية بتنظيم حفل الاحتفال، ومروراً بتسخير جميع الإمكانيات الأمنية من أجل سلامة الحضور الخليجيين العرب، وإكمال الاستعدادات تحضيراً ليوم الاحتفال، وانتهاء بتزيين البصرة للافتات الترحيب التي أصرت على كلمة العربي والعروبة والخليج.

أما البصراويون فتفننوا في إبراز الأصول العربية هناك من فتح بيوتهم للزوار، وهناك من أقام الولائم للضيوف الخليجيين، ومن أقام المضافات في الطرق، وهناك من هتف ورقص بكل الأهازيج العربية التي تشعرك بأن هناك مبالغة في إظهار الهوية العربية. إنما هذا هو الرد المناسب على إيران وعملائها، وهناك تعمد -مع سبق الإصرار والترصد- الزهو بالعرق العربي والافتخار به، والتأكيد على الانتماء له، وهناك دعوة صريحة موجهة لأهل الخليج خاصة بأنكم في بلدكم.

الملاحظة اللافتة للنظر أن شباب البصرة نشأوا تحت ظل الهيمنة الإيرانية على بلدهم، ونحن تتحدث عن شباب أقل من الثلاثين عاماً كبروا وتأسسوا على التمجيد الإيراني.

صحيح حاول خدم إيران-الفرع العراقي أن يثنوا أهل البصرة بكل وشتى الطرق، حاولوا أن يهددوهم ويبتزوهم ويرهبوهم؛ لمنعهم من استقبال الجمهور الخليجي، إنما باءت تلك المحاولات بالفشل الذريع، إنها أكبر صدمة بالنسبة لإيران!

ولو أن الأمر يجب ألا يكون صادماً، وأمامهم تجربة الأحواز التي فاق عمر احتلالها احتلال العراق، ومع ذلك عروبة الأحواز صامدة وهويتها العربية باقية، لم تنجح إيران في طمسها رغم محاولات قمعها بضراوة.

المشروع الإيراني في دول بعينها مصيره الفشل، ولو أن هذا المشروع يعمل عليه النظام بضراوة، ومنه إحلال إيرانيين في المناطق السكنية؛ تغييراً للديموغرافية، وتدخل في المناهج التعليمية، وإعطاء امتيازات للإيرانيين، وتعطيل أي وسيلة تواصل أو علاقة مع بقية الدول العربية، وإفساد الحكومات وجعلها رهينة للمال الإيراني، كلها وسائل كي تسرع بفرسنة المكان وجعل السكان رهينة للهوية الإيرانية.

هكذا يفعل النظام الإيراني في سوريا ولبنان وإيران نفسها، وبالتأكيد في الجنوب العراقي، لذلك كان من المستغرب جداً بالنسبة للإيرانيين أن جميع تلك المحاولات ذات التكلفة العالية فشلت، وها هو جيل تربى على يدها أصر على هويته العربية، بل بتحدٍّ كبير برز في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، وبرز على أرض الواقع بالمشاهد التي رأينا فيها احتفاء أهل البصرة بالجمهور الخليجي الذي حضر لتشجيع منتخباته الوطنية.

هل وصلت الرسالة العراقية لهذا النظام الدموي، الذي ظن أنه يستطيع اختراق الدول العربية بمشروعه، وأنه بسيطرته على حفنة من الخونة يستطيع أن يغير هوية هذه الشعوب أو يطمسها؟

 

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً