هل يدعم بايدن “انقلاباً سياسياً” على نتنياهو ينهي حرب غزة؟

أصبحت الولايات المتحدة تواجه إحراجاً دولياً نتيجة دعمها لـ”إسرائيل” في حربها التي تجاوزت المئة يوم على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي.

وأودت الحرب بعشرات آلاف الشهداء والجرحى ودمرت مئات آلاف الوحدات السكنية، ما أدى إلى محاكمة “إسرائيل” دولياً على جرائمها.

وفي أكثر من مناسبة ألمح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى وجود خلافات مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بسبب طول أمد الحرب على غزة، وقال، في ديسمبر الماضي، إن دولة الاحتلال في “موقف صعب، ولدي خلافات مع بعض القيادات الإسرائيلية”.

ووسط إصرار نتنياهو على المضي في الحرب على غزة وإعادة احتلالها، وهو ما ترفضه واشنطن ودول المنطقة، تفاقمت الأزمة أكثر بينهما.

فقد كشف موقع “أكسيوس” الأمريكي، الأحد 14 يناير، عن أن هناك أدلة متزايدة حول أن بايدن بدأ يفقد صبره تجاه نتنياهو، بشأن الحرب في قطاع غزة، حيث نقل عن مسؤولين أمريكيين، لم يسمهم، أن “آخر مرة تحدث فيها بايدن ونتنياهو كانت في 23 ديسمبر الماضي، وأنهاها الرئيس الأمريكي بإغلاق الهاتف بوجه نتنياهو”.

وأضافوا أن “وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أوضح لنتنياهو ومجلس وزراء الحرب الإسرائيلي، خلال الزيارة الأخيرة الأسبوع الماضي، أن خطة إسرائيل لليوم التالي للحرب على غزة حلم لا يمكن تحقيقه”، في إشارة إلى إنهاء سيطرة حركة “حماس” على القطاع.

وأشاروا إلى أن زيارة بلينكن لدولة الاحتلال أدت إلى تفاقم الإحباط داخل البيت الأبيض والخارجية الأمريكية من نتنياهو؛ لرفضه طلبات لواشنطن متعلقة بالحرب.

وتشير التقديرات إلى أن “إسرائيل” لا تريد حتى الآن الدخول في المرحلة التالية من الحرب؛ وهي مرحلة العمليات الذكية أو تخفيض العمليات القتالية، كما تريد واشنطن، حيث طالبت مراراً بتخفيض حدة العلميات القتالية.

وذكر مسؤولون أمريكيون أن “إدارة بايدن قلقة من أن إسرائيل لن تلتزم بجدولها للانتقال لعمليات أقل حدة في غزة”.

وفي أكثر من مناسبة ألمح بايدن إلى وجود خلافات مع نتنياهو ترتبط بالحرب على غزة، وقال، في ديسمبر الماضي، إن دولة الاحتلال في “موقف صعب، ولدي خلافات مع بعض القيادات الإسرائيلية”، مشيراً إلى أن “إسرائيل بدأت تفقد الدعم العالمي بسبب ما وصفه بقصفها العشوائي لغزة”.

وأقر نتنياهو لاحقاً بوجود هذه الخلافات مع بايدن بقوله في بيان: “نعم هناك خلاف بشأن اليوم التالي لحماس (مستقبل غزة بعد الحرب)، وآمل أن نتوصل إلى اتفاق حول هذا أيضاً”.

وبينما ترغب واشنطن في أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية في غزة بعد الحرب، أعرب نتنياهو مراراً عن رفضه هذا الخيار، وكشف عن اعتزام دولة الاحتلال الاحتفاظ بـ”سيطرة أمنية” في القطاع.

وبحسب القناة “13” الإسرائيلية، فقد رفض وزراء ونواب متطرفون إسرائيليون مطالب وزير الخارجية الأمريكي، بشأن تغيير أسلوب الحرب في قطاع غزة، وتسليم أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية.

كما كشفت أن “بعض اجتماعات بلينكن التي عقدها في إسرائيل كانت متوترة”، فيما قال بلينكن في اجتماع مع مجلس وزراء الحرب إنه “يستحيل القضاء على حماس بشكل كامل”.

وخرج وزراء ونواب في تصريحات علنية وهم يتحدثون صراحة عن خلافات مع واشنطن حول الحرب، أبرزها من وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي قال: “نقدّر كثيراً دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، ولكن فيما يتعلق بوجودنا في بلادنا، فإننا سنتصرف دائماً وفقاً للمصلحة الإسرائيلية، لذلك سنواصل القتال بكل قوتنا لتدمير حماس”.

داخلياً، يواجه نتنياهو انقساماً داخل مجلس الحرب الذي يقوده وخلافات مع الساسة الإسرائيليين، وصلت إلى حد المطالبة إقالته والتشكيك في إدارته.

فقد قال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، عقب تمرير الموازنة العامة التي أظهرت عجزاً بنسبة 6.6% بسبب الحرب: “يجب حل حكومة نتنياهو الآن، هو غير مؤهل لإدارة الدولة وحكومته غير مؤهلة لإدارة الحرب، وورطتنا في محكمة لاهاي وتدفعنا نحو انهيار اقتصادي”.

كما تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل عرض مخطط سياسي حول مستقبل غزة، وفق ما ذكرته صحيفة “إسرائيل اليوم”.

إذ إن وزير الحرب يوآف غالانت، وعضوي مجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت، يعتقدون أن “إسرائيل” ملزمة بتقديم تصور سياسي للمرحلة المقبلة يسير وفق العمل العسكري في قطاع غزة، لافتة إلى أنه بالمقابل يمتنع نتنياهو حتى الآن “عن اتخاذ أي قرار”.

كما يعتقد المسؤولون الأمنيون أنه ما دام أن “الجيش يسيطر أمنياً على القطاع ولا يعرف من هي الجهات المدنية التي يفترض بها أن تعالج شؤونه، فإنه قد يواجه مشكلات خلال عمله ومهامه”.

وأمام هذه المعطيات يبدو أن الكثيرين يرون في خروج نتنياهو من المشهد السياسي بداية لحل الأزمة التي عصفت بالمنطقة، ورفعاً للإحراج عن واشنطن التي تصر على مطالبها بوقف الحرب وتسليم إدارة غزة للسلطة الفلسطينية.

وذكر السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولين، في حديث لموقع “أكسيوس”، والذي كان على اتصال وثيق بالمسؤولين الأمريكيين بشأن الحرب: “لقد خذل نتنياهو بايدن في كل منعطف، فالمسؤولون الأمريكيون يتوسلون إلى حكومته، ولكنهم يتعرضون للصفعات مراراً وتكراراً”.

ومنذ نوفمبر الماضي، يعتقد بايدن أن حياة نتنياهو السياسية باتت معدودة وشارفت على النهاية، حتى إنه صارح نتنياهو بذلك وطالبه بالتفكير  في الدروس التي سيتقاسمها مع خليفته، وفقاً لمجلة “بوليتيكو” الأمريكية.

كما تشير “بوليتيكو” لرغبة بايدن في تولي غانتس، رئيس حزب معسكر الدولة والعضو في مجلس الحرب، والذي شارك في مظاهرة مساء السبت 13 يناير وسط مدينة تل أبيب للمطالبة باستعادة الأسرى الإسرائيليين، وهو ما يشي بانقسام كبير بين الرجلين، لا سيما أن نتنياهو يرفض تقديم المزيد من التنازلات من أجل الأسرى.

ويرى موسى قرقور، الباحث المتخصص في دراسة الأمن والصراعات، أنه “مع طول الحرب وكثرة نفقاتها وخسائرها الاقتصادية، أصبح الطرف الأمريكي يميل إلى التهدئة، خصوصاً أنه بعد 100 يوم من الحرب والتدمير في غزة لم تنكسر شوكة حماس ولم يقتل أي من قياداتها الكبار سوى صالح العاروري، وخارج غزة أيضاً في لبنان، وهو ما يشكل فشلاً ذريعاً للعملية العسكرية التي راح جل ضحاياها من المدنيين”.

وأوضح، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “هذه التطورات باتت تشكل إحراجاً دولياً للولايات المتحدة بسبب دعمها اللامتناهي لـ”إسرائيل”، وبدأت تسريبات هذا الخلاف تخرج للعلن، خصوصاً مع تعنت حكومة نتنياهو التي تريد المضي قدماً بمشروعها العسكري”.

ويلفت قرقور إلى أن “بايدن بإمكانه وقف المساعدات العسكرية لـ”إسرائيل” لكنه يتخوف من ردة فعل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا؛ وهو ما قد يؤثر على حظوظه بالفوز بولاية رئاسية جديدة، ولهذا يمارس ضغوطاً دبلوماسية على “إسرائيل” من أجل أن تنسحب بشكل يحفظ ماء وجهها ويوقف النزيف المالي”.

وحول الانتقادات التي توجه لنتنياهو داخلياً والدعوات للإطاحة به، يشير إلى أن “حكومة نتنياهو المتطرفة، لا سيما حربها في غزة التي فتكت بالمدنيين، جعلت “إسرائيل” في موقف المتهم في محكمة العدل الدولية، لكن أولاً وأخيراً ستقف الولايات المتحدة الأمريكية مع الحكومة في “إسرائيل”، بمعنى أنه إن استطاعت المعارضة سحب الثقة من حكومة نتنياهو والحصول على السلطة، فإن بايدن وبدون أدنى شك سيبارك ذلك”.

كما يشدد على أن “الوقت وطول أمد الحرب ليس من مصلحة أي طرف، سواء “إسرائيل” أو الولايات المتحدة أو حركة المقاومة الإسلامية (حماس)”، موضحاً أن “غزة تدمرت بالكامل وحصلت فيها مجازر ضد المدنيين ومجاعة وكوارث إنسانية واجتماعية هائلة، وإسرائيل تضررت اقتصادياً، وانهارت سمعتها دولياً، وتواجه مشاكل اجتماعية عميقة حول مستقبل وجودها ككيان آمن ومستقر، إذ تميل طبيعة الإنسان إلى الاستقرار والحياة والاستثمار في مكان مسالم بعيداً عن الحروب، وهو ما جلبته الحرب الأخيرة على المجتمع الإسرائيلي الذي بات يطرح هذا السؤال جدياً”.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً