السياسي – أسفرت القمة العربية العادية الثانية والثلاثين التي عقدت في جدة بالسعودية، في أيار/ مايو من العام الماضي، عن 36 قرارا تخص الأوضاع في فلسطين وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال وجزر القمر وجيبوتي، والتدخلات الإيرانية في الشؤن الداخلية للدول العربية، وانتهاك القوات التركية للسيادة العراقية، والتدخلات التركية في الشؤن الداخلية للدول العربية، والسد الإثيوبي، وبرنامج السعودية لرواد الفضاء.. إلى غير ذلك من قضايا.
وخص القضية الفلسطينية من تلك القرارات أربعة قرارات، أولها القرار 816 بشأن متابعة التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والذي احتوى على 33 توصية، والقرار 817 بشأن الانتهاكات في مدينة القدس والمحتوي على 31 توصية، والقرار 818 الخاص بمتابعة تطورات الاستيطان والجدار والانتفاضة والأسرى واللاجئون والأونروا والتنمية والذي احتوى على 54 توصية، والقرار 819 لدعم موزانة دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني والمكون من خمس توصيات.
وهكذا بلغت التوصيات الخاصة بالقضية الفلسطينية 123 توصية كلها حبر على ورق، وهو ما تكرر مع توصيات مؤتمر القمة العربية الإسلامية في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والذي عُقد لبحث العدوان على غزة وأسفر هو الآخر عن 31 توصية تخص قضايا التحرك الدولي الفوري لوقف الحرب على غزة، وكسر الحصار على غزة وإدخال قوافل المساعدات بشكل فوري، ومطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، والطلب من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، إلى غير ذلك من قضايا كان مصيرها جميعا عدم التنفيذ، حتى أن كثيرين برروا عقد القمة باعتبارها وسيلة من جانب القيادات العربية المعروفة لإتاحة مزيد الوقت لإسرائيل للقضاء على المقاومة،
وهو ما أشارت إليه تصريحات إسرائيلية بالحديث عن تعجل عدد من الدول العربية منها إنهاء مهمة القضاء على المقاومة، والتي اتضحت من خلال تواطؤ تلك الدول لحصار وتجويع سكان غزة، وتسخير وسائل إعلامها لشن حرب نفسية تجاه سكانها، وإثارة الفتنة باستمرار ما بين حماس وسكان وغزة، وما بين فتح وحماس وباقي فصائل المقاومة، والتنسيق مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة لبحث سبل المشاركة في إنجاز تلك المهمة، بعد أن فوجئوا بهذا الصمود غير المتوقع من جانب المقاومة، والذي يزيد من حنقهم واستعدادهم لبذل المزيد من المال والجهد لإنجاز مهمة القضاء على المقاومة التي عرتهم أما الشعوب العربية والإسلامية وباقي دول العالم.
أهمية اللقب مهما كانت التكاليف
وهنا يثور السؤال: إذا الأمر كذلك فلماذا تصر البحرين على استضافة القمة العربية الثالثة والثلاثين في السادس عشر من الشهر الحالي، خاصة وأنه كانت هناك قمة إسلامية لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي السبعة والخمسين في غامبيا في الرابع والخامس من الشهر الحالي، أي أن كل قادة العرب كانوا مدعويين لقمة جامبيا وكان يمكن دمج القمتين العربية والإسلامية، كما حدث في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توفيرا للنفقات ولوقت تلك القيادات، ولخفض معدلات الإحباط التي تصيب الشعوب العربية مع كل قمة عربية جديدة لا تسفر إلا عن مزيد من التدهور بالأوضاع العربية؟
وربما يتعجب البعض من تفسير الإصرار على قمة المنامة المقبلة، وهو أن البحرين لم تستقبل من قبل أية قمة عربية من قبل، وكانت هذه الدورة الثالثة والثلاثين والتي يتم تحديد مكانها حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول الأعضاء من نصيب السودان، لكن السودان تنازل عنها للبحرين في شباط/ فبراير من العام الماضي أي قبل الحرب الأهلية هناك، وهكذا يود ملك البحرين أن يرأس القمة العربية، وأن يحظى برئاسة الدورة الثالثة والثلاثين للجامعة لمدة عام حتى يتم عقد قمة جديدة في مكان آخر، وربما لا يتم ذلك لبعض الوقت فتطول فترة رئاسته للدورة!
وحتى لا يتعجب البعض من هذا التفسير عليهم تذكر كم تدفع الدول الخليجية من نفقات لاستضافة مؤتمرات دولية، وتتباهي بعدد الدول المشاركة بها رغم تحملها لكافة تكاليف الحضور من سفر وإقامة، وتذكر ما روج عنه الإعلام المصري حين جاء دور مصر لرئاسة الإتحاد الأفريقي لمدة عام، واستخدام لقب رئيس أفريقيا لوصف الجنرال المصري طوال تلك السنة، أليس من حق ملك البحرين أن يتباهي بلقب رئيس العرب أو حتى ملك العرب خلال السنة التالية لعقد القمة لديه، وهو ما يتم توظيفه شعبيا في البلاد النامية وكأنه اعتراف من قبل الدول بمكانة هذا القائد ليحظى بتلك المكانة المتميزة؟!
ويظل السؤال الأهم: وماذا يتوقع أن تسفر عنه تلك القمة العربية، والتي تم التعتيم في الإعلام العربي على القمة الإسلامية الأخيرة في غامبيا من أجلها؟ والإجابة أن تلك القمة سوف تسفر عن عشرات القرارات التي أعدتها اللجان المختصة بالجامعة العربية، كي تصدر في إعلان المنامة باسم الرؤساء والملوك العرب. وهي قرارات محفوظة في أرشيف الجامعة العربية منذ سنوات ويتم استخدامها مع كل قمة عربية، في ظل إرث طويل من القرارات يمتد إلى عام 1945 حين تأسست الجامعة العربية وحتى الآن، وهي الفترة التي عقدت خلالها 45 قمة عربية منها 32 قمة عادية و13 قمة طارئة أو غير عادية، بخلاف أربع قمم اقتصادية عربية.
عجز تجاري زراعي ببلدان الأنهار
ولعل الأوضاع العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية خير دليل على كون غالب تلك القرارات قد تحولت إلى مجرد حبر على ورق، ليس فقط بسبب تغلب النزعة القومية على هؤلاء القادة وتغليبهم لمصلحة بلادهم على المصالح المشتركة، لأنه لو كان هذا هو السبب لحقق كل منهم تحسنا في الأحوال المعيشية لبلاده، وهو أمر تنفيه نسب الفقر والبطالة والأمية المرتفعة في غالب الدول العربية، ونسب العجز المرتفعة في الموازنات ومعدلات العجز التجاري المرتفعة، ووجود عجز تجارى زراعي في كل الدول العربية فيما عدا المغرب ببعض السنوات، حيث تزيد قيمة وارداتها الزراعية عن قيمة صادراتها الزراعية، وهو أمر يمكن تفهمه مع دول صحراوية مثل دول الخليج العربي، لكن لا يمكن تفهمه مع دول نهرية مثل: السودان ومصر والعراق وسوريا.
ويمكن تفسير فشل القمم العربية على كثرتها من خلال سؤال بسيط، كم من هؤلاء القادة أتى من خلال انتخابات حرة وشفافة؟ بالطبع هناك البعض جاء عن طريق الانتخابات، لكن أي من تلك الانتخابات كانت ديمقراطية بشكل عملي وبدون تزوير وتدخل حكومي وعسكري لصنع نتيجتها؟ ويلحق بالسؤال السابق سؤال آخر: أي من هؤلاء القادة لم يجئ بدون موافقة وترتيب أمريكي على توليه السلطة؟ حتى الرئيس السوري مستمر بترتيب أمريكي روسي. وطالما كانت الموافقة الأمريكية عاملا أساسيا لتولى السلطة عربيا، فإن ذلك الجالس على كرسي السلطة يظل هدفه الرئيس هو إرضاء من أتى به ويمكنه خلعه في أي وقت، والأمثلة كثيرة ومتكررة، وسيناريو إنهاء حكم صدام والقذافي والبشير المُهين ومؤخرا عمران خان خير شاهد.
لهذا فإن تنفيذ الأجندة الأمريكية هو المعيار لاختيار واستمرار هؤلاء القادة، وتلك الأجندة تتطلب منهم تبديد موارد تلك البلاد التي يتولون أمورها، والابتعاد عما يمكن أن يحدث تنمية محلية تقلل من واردات ذلك البلد من الدول الغربية، وتوجيه جانب كبير الموارد لشراء الأسلحة التي لا يتم استخدامها حتى تصدأ. والأجندة الأمريكية تتضمن المشاركة في ضمان أمن إسرائيل والتنسيق الدائم معها سواء في العلن أو في الخفاء، ولهذا فإن المهمة الحالية لهؤلاء منذ أكثر من سبعة أشهر التي يحضر مسؤولو الإدارة الأمريكية دوريا لمتابعة تنفيذها، هي التنسيق مع إسرائيل من أجل القضاء على المقاومة وإجهاض صمود أهل غزة.
فلتنعقد القمة وتصدر العديد من القرارات لإدانة إسرائيل وتطالبها بوقف إطلاق النار كشكل من أشكال إلهاء واستغفال الشعوب!