ها هي البوصلة من جديد.. تشير إلى فلسطين مهما حاول منتهكو هذه الأرض انتزاع حقها المشروع في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة.
ومهما لعبت الأسرة الدولية دور الأبكم والأصم والأعمى، فلا بد للحق أن يعود لأصحابه يوما ولا بد من قدم لإبداء الشجاعة الدولية التي توقفت سنوات حفظا لماء الوجه.
حين تصوت 144 دولة لمصلحة قرار يدعم انضمام فلسطين لعضوية الأمم المتحدة ويمنحها امتيازات إضافية وتأتي توصية من الجمعية العامة لمجلس الأمن حتى يعيد النظر في هذه المسألة، فهذا يدعم أهم خطوة وهي فتح آفاق أوسع نحو التفاوض والتسوية مع إسرائيل وتصويب الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني بمصافحة أمريكية لأغلب خطوات المعتدي والتغاضي عن حقوق الفلسطينيين برفع حق الفيتو في وجه مسار السلام.
المشهد كان هكذا
وقبيل لحظات من انعقاد جلسة مستأنفة للنظر في مشروع قرار منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة كان سلام شعب فلسطين بعيد المنال ويتدهور بسرعة مخيفة، فالمشهد كان كالتالي:
– 35 ألف لقوا حتفهم في غزة وتشوه 80 ألفا ونزح مليونا إنسان ودُمر كل شيء، فقد وخسارة وصدمة.
– شعب محاصر خائف تائه جائع متراص في بقعة تتآكل يوما بعد يوم، ينهشهم فك الوحش الإسرائيلي، بينما كل شيء تعرض للهجوم حتى المنظمات، مذبحة إنسانية بشعة، ومقابر جماعية مكشوفة، وكل ذلك يحدث بينما رئيس الوزراء الإسرائيلي يروج – والمتآمرون معه – لاعتبار فلسطين خطرا وجوديا، فقام بشن حملة تطهير عرقي وفصل عنصري واضح وضوح الشمس التي لا يحجبها غربال الجور، وتجاوز ذلك بدعوة الدول – بغير صفة شرعية –للمشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة القابع تحت احتلاله، و قبلها جاء مجاهرا برفض حل الدولتين وسط عجرفة وتعال وإنكار للحقوق الفلسطينية بإعلان دولة مستقلة ذات سيادة.
– في 7 أشهر شهد العالم بأسره مقتل أعداد لا تعد من الأبرياء وعلقت المنطقة على شفا حفرة كارثية تبتلع العالم بأسره، فبات خيار غض الطرف عن هكذا ممارسات عدوانية أمرا غير متاح اليوم.
وأخيرا نطقت غالبية الأصوات لصالح قرار يدعم انضمام فلسطين لعضوية الأمم المتحدة وذلك يعني كثيرا:
– أولها أن الأحداث المخيفة في الفترة الماضية عززت وجود حل سلمي عادل وشامل ودائم، ليس للقضية الفلسطينية فحسب، بل لسبيل إقامة سلام للجميع يقضي على خطر الحرب أينما كان، وهو ليس خيارا مرحليا، بل أساسا تنهض عليه أجيال وأجيال باتت اليوم مدركة لما يجري من سلب حقوق ووحشية وسفك دماء الأبرياء، فنجد الشباب يتحركون من كل صوب وعرق وجنس يعبرون عن غضبهم ورفضهم، كل بطريقته ولغته وخلفيته ودينه، ولا أدل مما حدث في جامعات مختلفة حول العالم من مظاهرات رافضة ومنددة، ولا يستهان أبدا بغضب الشباب و ما يليه.
ثانيا: التصويت بغالبية ساحقة يعلي قيمة التعاون الدولي والتشارك الإنساني بإعطاء صوت للحق، وهو أمر مفتقد لسنوات وبعودته “بفاعلية”، يتعزز الأمل في منظمة الأمم المتحدة التي تراجع دورها وكادت تفقد الثقة الدولية وزمام الأمور في إدارة مصالح البشرية والإنسانية، فربما يعود البريق لطموحها في جعل السلام القيمة العالمية الأعلى.
وبينما يخلق مشروع القرار مسارا تصحيحيا ويعطي لفلسطين حق تقرير مصيرها، الأمر الذي لا يقبل القسمة على اثنين، فإن خلاف ذلك بالامتناع عن التصويت أو الرفض يعطي إسرائيل مزيدا من الانتهاكات وينتزع روح السلام الموحد للجميع.
صوت الإمارات
ولا بد لنا من إضاءة خاصة على مشروع القرار الذي جاء بصوت إماراتي باسم المجموعة العربية كمشهد رئيسي داخل قاعة الأمم المتحدة، فأتى كرد معتبر في وجوه كل المشككين بنوايا دولة الإمارات ودورها العظيم تجاه القضية الفلسطينية، وإعلانها الواضح تقديم كل أشكال الدعم لتشكيل حكومة فلسطينية تلبي آمال وطموحات الشعب الفلسطيني وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية.
ولا شك أن قرار العضوية يسجل باسم الإمارات لحظة فارقة في التاريخ، بطرح هذا المشروع لصالح دولة صبرت 75 عاما ولم تفقد الأمل بعدالة المجتمع الدولي الذي خذلها مرات ومرات، لنيل حقها في تقرير المصير ونيل عضوية كاملة بعد صفة مراقب، فقد أثبتت التزامها بالأعراف الدولية وقوانينها، رغم كل محاولات قطع أواصر الدولة والتهجير القسري وسفك الدماء والاعتداءات الإسرائيلية في غزة وما فيه من دمار وقتل وترهيب وتخريب، ما يجعلها مستحقة للعضوية الكاملة.
والإيمان الإماراتي بالقضية الفلسطينية يتعزز حضوره بعد سلسلة طويلة من الدعم الإنساني والدبلوماسي الذي لا ينتهي، فكان الجبر أن اعتلت منصة الأمم المتحدة وبينها شهود عيان، بهدف قيادة حراك ينتصر للإرادة الدولية.
خلاصة القول، قبول عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة واجب أخلاقي على من لا يزال يتحلى بالإنسانية والحكمة، ولا يمكن التغاضي بعد الآن عن قضية عادلة وحق مشروع مستحق منذ زمن طويل.
أما الواقفون على هامش التاريخ، الممتنعون، النعام، مطأطئو الرؤوس، فلهم درس قادم أكثر سخونة مما يتصورون، يتجاوز مجازرهم واعتداءاتهم التي يحللونها متى شاءوا خدمة لدوافعهم السياسية.