في الثاني والعشرين من مايو (أيار)، عقد رؤساء وزراء إسبانيا والنرويج وأيرلندا مؤتمراً صحافيّاً مشتركاً، أعلنوا خلاله رسميّاً أن حكوماتهم على أهبة الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة.
وهذه الخطوة، وإن كانت رمزية إلى حدٍ كبير، لها مغزى مهم، إذ تأتي في خضم حرب إسرائيل على حركة حماس في قطاع غزة، ومن الواضح أن المقصود منها التأثير عليها، أما من الناحية العمليّة، فهي أيضاً خطوة محفوفة بالمخاطر في المقام الأول للفلسطينيين أنفسهم، حسب رأي إيلان بيرمان، النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية.الوضع القانونيّ والسياسيّ الجديد
وقال بيرمان، في مقاله بموقع صحيفة “ذا هيل” التابعة للكونغرس، إنّ المشكلة التي لا تحظى بالاهتمام الكافي، تكمن في الوضع القانونيّ والسياسيّ الجديد، الذي سيحكم العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، فور حصول الفلسطينيين على دولة ذات سيادة.
فمن ناحية، سيؤدي ذلك إلى توسيع نطاق الالتزامات الدوليّة بشكلٍ كبير لأي كيان ينتهي به المطاف إلى حكم غزة والضفة الغربية. وفي الوقت الراهن، تتمتع السلطة الفلسطينية بدعمٍ سخي، بما في ذلك من الولايات المتحدة، لقواتها الأمنية، في حين أنها لا تتحمل إلا مسؤولية محدودة عن الحفاظ على النظام في الضفة الغربية، وتتبنى في الوقت نفسه سياسات تُشجِّع على الإرهاب ضد إسرائيل.
وأضاف الكاتب: الواقع أنّ السلطة الفلسطينية نفسها مُعرَّضَة للخطر إلى حدٍ كبير في هذا السياق. في مارس (آذار) الماضي، أوضحت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن أفراداً من الأجهزة الأمنية الرسمية للسلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة تورطوا في أعمال عنف مُتطرفة ضد إسرائيل، بمعدل مرة كل أسبوعين. أما في قطاع غزة، فالوضع أسوأ بمراحل، إذ تَحكم القطاع منظمة إرهابية كاملة تعهدت مراراً وتكراراً ببذل كل ما في وسعها للقضاء على إسرائيل.
وتابع: سيصبح هذا الوضع لا يُطاق عند إقامة “الدولة”. فالقانون الدولي العرفي يَفرض على الدولة ذات السيادة ضمان حماية الدول المجاورة لها من الأضرار المنبثقة عن داخل حدودها. وإذا كانت الدولة المتعثرة غير راغبة، أو غير قادرة على الالتزام بذلك، فهي مُلزمة إما بطلب المساعدة الدولية، وإما بمواجهة العواقب الوخيمة، بما في ذلك استخدام القوة.
وفسَّرت بعض الدول هذا التبرير القانوني للسماح بشن ضربات تكتيكية على الأراضي الأجنبية (كما في سياسة إدارة أوباما الخاصة بالضربات الموسَّعَة بالطائرات المسيرة على الأراضي الباكستانية)، ومن المرجح أن تستغلها إسرائيل أساساً لعمليات مكافحة الإرهاب واسعة النطاق في جميع أرجاء الأراضي الفلسطينية.
ومن الناحية العملية، يعني ذلك أن الدولة الفلسطينية الوليدة ستجد نفسها في حالة حرب مع إسرائيل المجاورة لها على الفور تقريباً.
محرومة من الإعانات
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن الدولة الفلسطينية ستجد نفسها محرومة من الإعانات التي يتمتع بها الفلسطينيون حالياً. فقبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، كانت إسرائيل تزوّد الأراضي الفلسطينية بما يقرب من ثلث احتياجاتها من الوقود، وتوفر فرص عمل مباشِرة لأكثر من 100 ألف عامل، وفرص عمل غير مباشرة لعشرات الآلاف من العمال، وحوافز أخرى لا تُعدُّ ولا تحصى.
وحتى على مدار فترة الحرب الحالية، دفعت الاعتبارات الإنسانية – فضلاً عن الضغوط الغربية الكبيرة – إسرائيل إلى توسيع نطاق مساعداتها وتعزيزها. وكل ذلك سينتهي فور تأسيس “فلسطين” رسمياً. ولن تكون إسرائيل ملزمة بعد ذلك بدعم الكيان الجديد، سواء من الناحية الاقتصادية، أو من أي ناحية أخرى.
وفي تلك الأثناء، يُعدُّ بقاء حركة حماس في السلطة أمراً غير مقبول لإسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى. ومع ذلك، أثبتت الحكومة الفلسطينية برئاسة محمود عباس عجزها عن (أو عدم رغبتها في) توفير الازدهار للفلسطينيين بشكلٍ مجدٍ، بل باتَ يُنظَر إلى السلطة الفلسطينية على نطاق واسع على أنها بؤرة للفساد والمحسوبية وسوء الإدارة.دولة فاشلة
ومضى الكاتب يقول: لا تحظى السلطة الفلسطينية بشعبية كبيرة في أوساط الفلسطينيين. ففي استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أبريل (نيسان) 2024، وهو مركز استطلاع رأي محترم مقره رام الله، أعربَ ثلثا المستطلَعين عن “الاعتقاد بأن السلطة الفلسطينية أصبحت الآن عبئاً على الشعب الفلسطيني”، وأغلبية المستطلعين يفضلون حلّها بالكامل.
وهذا يعني، برأي الكاتب، أنه دون تغيير داخلي جديّ، فإن فلسطين محكوم عليها بأن تكون دولة فاشلة من البداية، مما يتطلب استثمارات ومشاركة مكثفة من المانحين الدوليين لعقودٍ مُقبلة.
وزعم بيرمان أن هذه العوامل وعوامل أخرى لا تُعدُّ ولا تُحصى تفسر سبب معارضة الولايات المتحدة، ولو أنها من المدافعين الدائمين عن “حل الدولتين”، لفكرة إنشاء دولة فلسطينية على المدى القريب. وهي أيضاً الأسباب التي تجعل المجتمع الدولي، رغم اعتراف 142 دولة حتى الآن رسمياً بدولة “فلسطين”، أبعد ما يكون عن معاملتها معاملة الدولة ذات السيادة.