* كما أن موعظة الجبل التى ألقاها السيد المسيح، عليه السلام، من فوق جبل طابور بالجليل تعد أهم وأبلغ وأشمل مواعظه، وهى الموعظة الخاتمة والجامعة للمسيح، فإن خطبة عرفات تعد أعظم خطب الرسول قاطبة وأشملها وأكثرها عمقاً وتمثل الوصايا الجامعة لهذه الأمة.
* كانت خطبة عرفات مشحونة بالمشاعر الفياضة بين الرسول المودع لأمته وبين الجموع الغفيرة التى احتشدت له مد البصر، فها هو يلمح بالوداع: «أيها الناس اسمعوا قولى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا»، إنه وداع النبى لأمته والدنيا بعد أن ملأها براً ورحمة وعفواً وزهداً وورعاً.
* وها هم ينصتون إلى النبى المودع فى خشوع وطاعة ومحبة، بعد أن بارزوه طويلاً بالعصيان والعداوة، وبعد أن نكلوا بأصحابه وأخرجوهم من بلادهم.
* ها هو يقول لجرير: «استنصت الناس يا جرير»، فينصت الشجر والحجر والمدر والسماء والأرض لكلمات النبى المودعة، وها هو يرى ثمرة كفاحه وحصاد دعوته التى استمرت 23 عاماً، عانى وبذل فيها الكثير، ليرى ثمرتها من خلال هذه الجموع المؤمنة التى تكبر الله وتعبده حق العبودية.
* أعظم ما قيل فى خطبة الوداع: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، فى شهرِكُمْ هَذَا، فى بلَدِكُم هَذَا»، يعنى به التحريم المضاعف والمتواصل مرات ومرات بحرمة اليوم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام.
* ووالله لو أن هذه الأمة أخذت بهذه الفقرة وحدها من خطبة الوداع ما تنكبت الطريق، وما ضلت السبيل، وما أصبحت معظم شعوبها من اللاجئين وتوزعت بين القتلى والجرحى والمشردين، وما استيقظت كل عدة أيام على تفجيرات ومذابح ومجازر وقبور أو سجون جماعية أو فساد وسرقات لا تعد ولا تحصى، أو تحرش فى كل شارع أو حارة، ولتوقفت الأمة عن الولوغ فى الدماء الحرام والأعراض المحرمة والأموال المحرمة.
* أروع فقرة مؤثرة فى خطبة الوداع قول النبى فى ختامها: «ألا هل بلغت»، وهم يجيبونه: نعم، ثلاث مرات، وهو يشير إلى السماء فى كل مرة: «اللهم فاشهد».
* رسول يريد من أمته أن تشهد على أمانته ودقته فى تبليغ الرسالة، رغم أنه لا يريد هذه الشهادة لأن القرآن شهد له، ولكنه أراد أن تشهد هذه الأمة لرسولها وعلى نفسها وللأجيال القادمة باكتمال الرسالة وتمامها، وأن كل خرق سيحدث فيها بما كسبت أيدينا، وكل تخلف أو استبداد أو تكفير أو تفجير أو فقر أو جوع أو ظلم أو هضم ليس بسبب الرسالة ولكن بسبب البعد عن الرسالة والتخلى عنها والتنكر لتعاليمها.
* يا سيدى يا رسول الله نشهد إنك أديت وبلغت ونصحت ودعوت وما قصرت، ونحن أهل الغفلة والتقصير والنسيان والعصيان.
* لو أنصت السودانيون بقلوبهم وجوارحهم إلى هذه الفقرة فقط من كلام النبى فى حجة الوداع ما وقعوا فيما وقعوا فيه من اقتتال بغيض وسفك للدماء بين أبناء الوطن الواحد.
* غزة تنزف والسودانيون يقتل بعضهم بعضاً، يتقاتلون على الحطام وعلى دولة قد تمزقت وتحطمت، يفخر بعضهم بأنه دمر للفريق الآخر كذا دبابة وعربة مدرعة، وأنه قتل وجرح من جيش بلاده كذا وكذا، أى عار هذا؟! أى خزى هذا؟!
* تفخر الميليشيات السودانية بأنها حرقت القرى وقتلت المدنيين، وهجرت أهاليهم وأقرباءهم وذويهم عن مناطقهم، ما الفرق بينكم وبين إسرائيل؟!
* بلد فقير جائع يفتقر لكل شىء، ويحتاج كل شىء، يتقاتل فيه أبناؤه على سلطة زائلة، وكراسى لا قيمة لها، هؤلاء لم يتعلموا شيئاً من الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولا من الحسن بن على، رائد الصلح والإصلاح، ولا من المشير سوار الذهب.
* الميليشيات السودانية ضاعفت هموم الأمة وكرب غزة على العرب والمسلمين، الجميع ينظر إلى الميليشيات السودانية باحتقار كما ينظر إلى الجيش الإسرائيلى، وكل الميليشيات الداعشية السابقة.
* الله الله فى الدماء البريئة المسالمة، فى دماء الأطفال والنساء، فى حرمات الناس.
* أين صناع السلام؟ أين دعاة الصلح؟ أين دعاة وقف العنف؟ أين الذين يوقفون هذا الجنون السودانى؟
* أعظم نصيحة فى موعظة الجبل: «طوبى لصانعى السلام فإنهم أبناء الله يدعون»، وأعظم نصيحة للرسول فى حجة الوداع قوله: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم»، وقد حرم المسيح فى موعظة الجبل كل مقدمات القتل وعلى رأسها الغضب، ولم يحرم الزنا فحسب ولكنه حرم مقدماته وأولها النظرة المحرمة، وقد حرمهما الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا تغضب»، وكرر مراراً لا «تغضب»، وقال: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس».
* «وَفَدينَاهُ بذبحٍ عظيم»، تعنى فيما تعنى أن الإنسان أعظم من كل ما فى الأرض، وحياته أغلى من كل الدنيا، فلا تنهض الأمم على أشلائه، ولا تنتصر الجماعات على دفق دمائه، ولا يسود الحكام على ذله وهوانه وفقره وحاجته، ولا تتقدم الدول على يتم وتثكل وترمل الكثير من أبنائها وبناتها، ولا يبنى جاه القادة على بكائه وعويله.
* الحج والحشر يتناغمان فى كل شىء مبنى ومعنى، فأول سورة الحج تفتتح بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ»، والحج يبدأ بالنداء، نداء إبراهيم عليه السلام: «وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً»، والكل يلبى، أما الحشر يوم القيامة فيبدأ بالنفخ فى الصور: «وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ»
*نقلاً عن “الوطن”