لماذا لم أوقع على وثيقة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ؟

د.رمزي عودة

برغم أن هذه الوثيقة لا تتضمن نفي شرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، وبرغم أن غاية إعادة بناء وإصلاح المنظمة تعتبر غاية وقيمة أخلاقية بحد ذاتها، وبرغم وجود عدد مهم من الشخصيات الوطنية والمناضلة والصديقة التي وقعت على هذه الوثيقة، برغم كل هذا الا أنني لم أوقع على هذه الوثيقة للاسباب التالية:
1- من الصعب تصور فاعلية اي عملية اصلاح واعادة بناء في ظل الحروب والصراعات، وأي تحركات في هذا الاطار سيكون محكوما عليها بالفشل، وذلك بسبب الضغط العسكري والشعبي وغياب الرؤية الواضحة والمتوافق عليها. وهو ما حدث فعلا في مسيرة بناء المنظمة بعد حرب بيروت عام 1982 وغيرها.
2- ان ما تتضمنته الوثيقة من مقدمات اساسية لوجود عملية الاصلاح في المنظمة وربطها باليوم التالي للعدوان يتناقض يشكل رئيسي مع اتجاه العديد من القوى التي وقعت على البيان والتي رفضت جملة وتفصيلا هذا المصطلح واعتبرته مصطلحا امريكا يهدف الى مصادرة انجازات المقاومة سياسيا بعدما فشلت اسرائيل بتحقيق أهدافها عسكريا.
3- ان ما تتضمنته الوثيقة من ضرورة اعادة البناء على اسس وحدوية تتضمن التمثيل للجميع، يتناسى ان غالبية فصائل العمل الوطني هي ممثلة في المنظمة، الا فصيلين تقريبا الاول الجهاد الاسلامي وهو لا يريد الانضمام للمنظمة منذ تأسيسه، والثاني هو حماس وهي اشترطت على قيادة المنظمة في محادثات بيروت محاصصة في أبنية المنظمة تصل الى 40%. فاذا كان الموضوع هو إنضمام حماس وهي من أكبر الفصائل الوطنية لمنظمة التحرير فان حماس قد وافقت مؤخرا في موسكو وبكين على تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، اما بخصوص عضويتها فالمسألة خاضعة للحوارات بين فتح وحماس- وهي منعقدة في هذه الأثناء- ولن يكون يوسع أي عريضة أو مؤتمر “وحدوي” ان تحل هذه الاشكالية.
4- ان البيان يشير بشكل غير مباشر بأن غالبية المجتمع السياسي الفلسطيني غير ممثل في المنظمة وهذا يجانب الحقيقة لأن حماس لا تمثل غالبية المجتمع الفلسطيني ولا يمكنها الحديث بإسمه.
5- تم الاشارة في الجملة التي تضمنتها وثيقة البيان وهي”.. لأن إسرائيل وحلفاءها يعدّون لفرض ترتيبات أمنية وإدارية تضمن الإشراف الإسرائيلي الأمني على القطاع منفصلًا عن الضفة الغربية، ويراهنون على تعاون فلسطيني وعربي في تنفيذها” تشير الى احتمالية تعاون السلطة الوطنية الفلسطينية مع الاحتلال في فرض واقع احتلالي في القطاع وهذا بالطبع غير مقبول لأي أحد بما فيها العديد من الشخصيات التي وقعت على الوثيقة. والذي يؤكد ها الموقف هو استعداد السلطة الوطنية تولي معبر رفح في الوقت الذي رفضت فيه حكومة الاحتلال ذلك وأكدت أن السلطة الوطنية هي سلطة ارهابية وتعلم أبنائها الكراهية وأن اسرائيل غير مستعدة لقبولها سلطة حاكمة في القطاع.
6- إن اشارة البيان الى ضرورة اعادة بناء المنظمة على اسس ديمقراطية غاية اخلاقية يتفق عليها الجميع ولكن من الصعب تحقيقها سياسيا لاسيما في الوقت الحاضر لاعتبارات عديدة أهمها واقع العدوان في القطاع واستمراره وقيام الاحتلال بمنع الانتخابات في القدس وصعوبة تنفيذ انتخابات المجلس الوطني في العديد من الدول العربية ودول الشتات.
7- ان اشارة البيان الى ضرورة وجود حكومة متوافق عليها في اليوم التالي للعدوان يخلط بين المنظمة وبين السلطة الوطنية، فالاخيرة هي المسؤولة عن تشكيل الحكومة وفقا للقانون الاساسي ويتولى الرئيس تكليفها وهي مسؤولة أمامه في ظل حل المجلس التشريعي. اضافة الى ذلك، فان المطالب الاولى لحركة حماس في موسكو هي حكومة تكنوقراط وليس حكومة توافق وطني، واعتقد ان المطلوب عربيا ودوليا هي حكومة تكنوقراط في الوقت الحاضر وهي ضرورة وطنية في الوقت الحاضر ولا يجب الخلط بين التكنوقراط وحكومة التوافق لان المفهومين مختلفين واحيانا متناقضين.
8- ان وجود بعض الشخصيات الموقعة على بيان الوثيقة وهي شخصيات ذات ارتباطات مع دول اقليمية لها تأثيرها على استدامة الانقسام وتغذيته يجعل من الصعب التوافق مع هذه الشخصيات في اي صيغة سياسية مستقبلية لانها ببساطة تخرج عن الموقف الفلسطيني الموحد وترهن هذا الموقف بأجندات دولية أو اقليمة.
في النهاية، اعتقد ان اصلاح واعادة بناء المنظمة ضرورة وطنية ولكن هذه الفكرة التي تنتشر في هذه الأوقات هنا وهناك لاسيما في بعض العواصم كلمة حق يراد بها باطل، بمعنى أنها ستسعى الى انتاج منظمة بديلة وستعزز الانقسام وتؤدي الى مزيد من الانشقاقات في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع. اننا جميعا نؤكد على شرعية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ووحدة القيادة الفلسطينية، واننا سنسعى دوما الى اصلاح واعادة بنائها ولكن من داخل أطر المنظمة وليس ما عاصمة هنا وعاصمة هناك.

شاهد أيضاً