حرب “حزب الله” وإسرائيل فرصة للبنان حر؟

وليد فارس

في خضم المواجهة العسكرية الكبيرة بين “حزب الله” وإسرائيل التي امتدت على طول الحدود اللبنانية وفي عمق المناطق الجنوبية من ناحية وفي الجليل داخل إسرائيل من الناحية الأخرى، تتعالى الأصوات في المنطقة لمحاولة إسكات الجبهة وإعادة الاستقرار لها، ولكن يبدو أن القيادة الإيرانية فرضت على “حزب الله” أن يستمر بضغطه الصاروخي على إسرائيل، وبالمقابل فإن القيادة الإسرائيلية قررت أن ترد على الحزب بكامل قواها ولكن من دون الدخول العسكري إلى الأراضي اللبنانية.

وكنا سألنا في الماضي قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والعملية التي قامت بها “حماس” ضد إسرائيل عن إمكان اندلاع المواجهة بين إسرائيل ومن يسيطر على لبنان، ولكن مع احتمال حدوث تطورات داخل البلاد تؤدي إلى انفجار جبهة داخلية بين “حزب الله” ومعارضته داخل الجمهورية اللبنانية.

وكنا كتبنا في “اندبندنت عربية” منذ أكثر من عام أن المعارضة بإمكانها أن تطلب قيام مناطق حرة محايدة داخل لبنان تخرج منها الميليشيات الإيرانية وتكون تحت حماية الجيش اللبناني، وكنا حذرنا من اقتراب الحرب المدمرة بين الطرفين إلى المناطق المسيحية والسنية والدرزية، وهي عملياً تعارض حكم “حزب الله” في لبنان. وكما كتبنا أنه بإمكان هذه المناطق أن تؤلف منطقة واحدة حرة لا تطاولها الحرب، وتعمل هذه القوى على حياد تلك المناطق، ولكن “حزب الله” وقوته العسكرية لم يقبلا بهذا المبدأ وهدد الحزب الإيراني باجتياح كل المناطق التي تعارضه.

وهذا الأسبوع أعلن النائب في البرلمان اللبناني وأحد زعماء المعارضة كميل شمعون أن هذه المناطق لن تقبل بسيطرة “حزب الله” على الداخل اللبناني بحجة قيام الحرب بين الحزب وإسرائيل، وأضاف شمعون، وهو حفيد رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون الذي شارك في إطلاق المقاومة اللبنانية في عام 1975 ضد قوات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والفصائل الفلسطينية المؤيدة لنظامه، وبعد ذلك ضد “حزب الله” منذ عام 1982، أن المقاومة ستعود في الساعة صفر، وقال الحفيد شمعون إن لدى المناطق المعارضة لـ”حزب الله” سلاحاً وعتاداً يسمح بتجنيد وتعبئة 20 ألف مقاتل، وإذا اقتضى الأمر سينالون دعماً كاملاً في الأقل من نصف الجيش اللبناني للمحافظة على مناطقهم ومنع “حزب الله” من دخولها، ويكون هذا التصريح نقلة نوعية، ولو كانت كلامية لأحد أركان ما يسمى بـ”الجبهة السيادية في لبنان”، لأنه يأتي في وقت يستعد فيه “حزب الله” لمواجهة كبرى مع إسرائيل.

السؤال الآن إذا كان هذا الكلام معبراً عن أكثرية من السياسيين والكوادر المعارضين للحزب داخل لبنان، فماذا يعني عملياً على الصعيد الميداني؟ وكيف يؤثر ذلك في قدرة الحزب على المواجهة مع إسرائيل ومع معارضة داخلية في الوقت نفسه. ورأينا في السنوات الثلاث الماضية مواجهات وحوادث بين الميليشيات الإيرانية ومجموعات شعبية لبنانية في أماكن عدة من الشوف إلى كسروان (جبل لبنان) وبيروت “الغربية” وعين الرمانة (جبل لبنان) ومناطق أخرى، وتبين أن معارضة الحزب وقفت بصلابة أمام مد الميليشيات الخمينية.

السؤال الحقيقي هو كيف تتحول خريطة لبنان الداخلية على إثر اندلاع المواجهة بين “حزب الله” والمعارضة إذا قرر الحزب التمركز داخل تلك المناطق؟

جغرافياً يسيطر الحزب على كامل مناطق الجنوب وعلى جزء مهم من البقاع (شرق) لا سيما في شماله، وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت ومحيطها في العاصمة. وفي ما يتعلق بالمساحة فإن الأرض التي يستعملها الحزب عملياً لا تتعدى 20 في المئة من كامل مساحة لبنان، وهي بمعظمها مبسطة ولا تشمل جبالاً عالية ووجودها على الساحل محدود جداً، ولكن للميليشيات أكبر حجم من الأسلحة الصاروخية والمدفعية في لبنان، بحال مواجهة داخلية قادرة على استهداف كل الأراضي اللبنانية من الشمال حتى الجنوب، ومن البقاع إلى الساحل اللبناني. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لديها أسلحة متوسطة ووحدات قتالية بإمكانها أن تنتشر ليس في مناطقها فحسب ولكن في مناطق المجموعات اللبنانية الأخرى، بكلام آخر “حزب الله” لديه جيش بإمكانه أن يتوازن مع الجيش اللبناني، وبمقدوره أن يجتاح المناطق كلها إذا قرر ذلك، وأعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن بإمكانه أن يعبئ حوالى 100 ألف مقاتل. وهذا يعني تقريباً 10 فرق مشاة بالقياس الدولي مع كل تجهيزاتها، وفي مناطق جغرافية ضيقة. ولا يوجد على الأراضي اللبنانية قوة عسكرية بإمكانها أن تواجه الحزب وجهاً لوجه بحسب الأرقام المطروحة بالمنظار الكلاسيكي، ولكن انتفاضة ضد الحزب لن تكون مواجهة كلاسيكية إذا وقعت.

أما المعارضة للحزب فالمساحات التي توجد عليها هي أكبر من تلك المساحات التي يسيطر عليها الحزب، وهذه المعارضة المؤلفة من سنة ودروز ومسيحيين تمتد من عكار في الشمال وعلى طول الساحل حتى العاصمة بما فيها بيروت الإدارية، وتمتد من جبل لبنان حتى جزين حيث خطوط التماس مع مناطق “حزب الله” في الجنوب، وللمعارضة وجود قوي في وسط البقاع، مما يعني أن المعارضة للحزب هي التي تنتشر على معظم الأرض الوطنية في وسط لبنان وشماله وشرقه، وبإمكانها إذاً عسكرة نفسها وأن تقطع المواصلات بين قيادة “حزب الله” في الضاحية الجنوبية وامتدادات الحزب في الجنوب وفي البقاع، وكما ذكرنا في الماضي فإن “حزب الله” مع كل قوته العسكرية والنارية إنما يتكون من ثلاث جزر في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية، فإذا أقفلت مناطق المعارضة المرور من الشمال وجبل لبنان والجنوب إلى الضاحية تتم محاصرة الضاحية، لكن السؤال هو هل بإمكان المعارضة أن تواجه “حزب الله” مع العلم أن المعادلة الرقمية هي لصالح الحزب في هذه المرحلة؟

يجيب الخبراء من لبنان والخارج بأن هذا الوضع سيكون في غاية الصعوبة لكل الأطراف، إذ إن معارضي “حزب الله” ليس لديهم جيش قائم ومنظم ومركزي بل مجموعات لم تختبر بعد الصراع العسكري، فالأجيال التي قاتلت في الماضي أوقفت هذا التدريب في عام 1991. ومن ناحية أخرى فإن معارضة الحزب ليست مكونة من جهاز مركزي واحد، أما الحزب فلديه وحدات قادرة على التوغل والوصول إلى أية نقطة في البلاد.

*نقلاً عن “إندبندنت عربية”

شاهد أيضاً