في لقاء نتنياهو مع “قناة سكاي نيوز” البريطانية في 7 أكتوبر 2017، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي خطة حماس بالضبط، التي حدثت في 7 أكتوبر 2023، ولندقق في التاريخ والتزامن والتوافق بين تاريخ الإعلان عن الخطة قبل 6 سنوات بالتمام والكمال والتنفيذ لها في نفس التاريخ، حيث ذكر بالتفاصيل بنودها، كما حصلت بالضبط. بتعبير دقيق كان المستويان السياسي والأمني الإسرائيليان على إطلاع على ما سيحدث في 7 أكتوبر الماضي، ولم يكن الامر مفاجئا.
كما ان التقارير الأمنية في تلك الليلة اشارت الى وجود تحركات أمنية لكتائب القسام، وتداول المستويين السياسي والأمني والعسكري حتى ساعة متأخرة من الليل وفجر 7 أكتوبر بأبعاد التحرك على الجانب الغربي من غلاف قطاع غزة. أضف الى ان احدى العسكريات الإسرائيلية أبلغت الجهات الأمنية والعسكرية في نفس الليلة عن التحركات للمجموعات الفدائية والخطة ذاتها. أضف الى المجندات العاملات على مراقبة الحدود في قيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية أشارن ان الشاشات لديهن تستطيع كشف النمل اذا ما تحرك، ومع ذلك حصل التشويش على الأجهزة الأمنية، ولم يرن أي حركة؟
في ضوء ما حدث من تطور دراماتيكي صباح 7 اكتوبر 2023، تثار الأسئلة العديدة حول ذلك، لماذا لم تتخذ القيادات العسكرية والأمنية الإجراءات الاحترازية لمنع اية تطورات غير محمودة؟ ولماذا أغفلت وضع الخطة التي أعلنها رئيس الوزراء على طاولة البحث في تلك الليلة؟ ولماذا تعاملت قيادة الجنوب مع الامر دون مبالاة؟ وهل كانت الثقة الإسرائيلية عالية للحد الذي منعها من التقدير الجيد بأن حركة حماس لن تنفذ خطتها؟ وهل كان وضع الخطة من قبل قيادة كتائب القسام لمجرد الترف، أم انها خطة مطروحة للتنفيذ؟ وهل المسؤولية تقتصر على الجانب الأمني والعسكري الإسرائيلي، أم على المستويين السياسي والعسكري؟ وهل كانت القيادات الإسرائيلية ترغب بتنفيذ الخطة الحمساوية؟ ولماذا قام الطيران الحربي الإسرائيلي بمضاعفة أعداد القتلى من الإسرائيليين؟ وهل ما جرى مؤامرة ام سيناريو مبيت ومعد لما بعد العملية؟ وهل يمكن الافتراض ان هناك توافقا بين الطرفين على ما حصل في 7 أكتوبر؟ وهل ارادات حكومة نتنياهو ان تقلب الطاولة على المعارضة والشارع الإسرائيلي الذين تظاهروا ضد الانقلاب القانوني طوال 40 أسبوعا متتالية لتغيير اتجاه الصراع مع الشعب الفلسطيني، أم ابعد من ذلك؟ وهل لذلك علاقة باستحضار تجربة طالبان في أفغانستان 2021؟
الان في أجواء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني مع دخولها الشهر التاسع تثار الأسئلة داخل أروقة الحكومة ومستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية، وتتقاذف الاتهامات هنا وهناك بينهما، وكلا الطرفين السياسي من جهة والعسكري الأمني من جهة أخرى يحاول تحميل كل منهما المسؤولية عما حدث، لا بل أن البعض اعتبر ان هناك مؤامرة داخلية إسرائيلية، ومن يقف خلفها؟ ولماذا تتآمر إسرائيل على ذاتها المأزومة؟ أم هي مؤامرة وحرب مفتوحة على الشعب العربي الفلسطيني لتنفيذ عملية التطهير العرقي الواسعة عبر سيناريو التهجير القسري استكمالا للنكبة الكبرى عام 1948، وتحقيق هدف إسرائيل الاستراتيجي بإقامة الدولة الكاملة على حدود فلسطين التاريخية، ونفي كلي للكيانية الفلسطينية، وتصفية عملية السلام لتجسيد “قانون القومية الأساس للدولة اليهودية” الصادر في 19 يوليو 2018؟
مما لا شك لدي، أن إسرائيل والولايات المتحدة عملتا وتعمل حتى الان على استحضار النموذج الطالباني بمعايير الواقع الفلسطيني. رغم أن ما حدث في 7 أكتوبر 2023 يعتبر لحظة نوعية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وشكل إنعطافة هامة، ورغم هول الخسائر الفادحة في الأرواح من شهداء والجرحى جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء، وعمليات التدمير غير المسبوقة في تاريخ الحروب الكونية، الا ان الإقرار بهذه الحقيقة، لا يسقط الأهداف الصهيو أميركية، التي أجزم انها لن تتحقق. لأن الشعب الفلسطيني وقواه الحية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية لن يسمحوا بتمريرها، مهما كانت حسابات وسيناريوهات الأعداء جميعا، وستتحطم على صمود الشعب، ورفضه التهجير القسري، ورفضه القاطع لاستحضار النموذج الطالباني، ومن يعتقد غير ذلك يكون مخطئا، ولا يعرف عظمة الشعب الفلسطيني وقدراته الإبداعية على اشتقاق الوسائل والأساليب والاشكال النضالية للدفاع عن حقوقه الوطنية.
والتجربة المريرة والوحشية الناجمة عن حرب الأرض المحروقة الصهيو أميركية خلال الشهور ال9 الماضية أكدت هذه الحقيقة، وواهم من يعتقد من الداخل الفلسطيني او الخارج الإسرائيلي الأميركي ومن يدور في فلكهم بنجاح المخطط المعادي، ولن يكون قطاع غزة الا جزءً من الدولة الفلسطينية الواحدة تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.