الرأي والاعلام ك”سلطان جائر”!

بكر أبوبكر
بكر أبوبكر

نحن في الحركة الوطنية الفلسطينية تعلمنا أن نسمع أكثر مما نتكلم.
كما تعلمنا أن “رأيي صواب ويحتمل الخطأ ورأيك خطأ ويحتمل الصواب” المنسوب للشيخ المكي الغزي (مواليد غزة) الإمام محمد بن إدريس الشافعي.
وعليه فإن فكرة الحوار والديمقراطية وأدب الاختلاف في المنظومة الوطنية الخالصة خالية من فكرة التكفير والتخوين الطارئة على العمل الفدائي الفلسطيني الثائر والمقاوم.
في تاريخ الثورة والمقاومة الفلسطينية تعرض قادتها وبالاسم للكثير من الانتقادات، بل والاتهامات في سياق معادلة الرجعية مقابل التقدمية، والرفض مقابل القبول، والجماعية مقابل القيادة المتنفذة…الخ.
دخلت الانتقادات لاحقًا لمربع الاتهامات للذات الشخصية (وليس لذات الموقف أو الموضوع) ضمن معادلة الفسطاطية (نسبة لفكرة الأبيض والأسود أو الفسطاطين/المعسكرين الإسلاموية) وهنا بدأ التكفير والتخوين البغيض يطل برأسه، ويطحن عقل المواطن .
تعرض الكثيرون للفرز الظالم أيضًا في سياق أنا المسلم، وأنت العلماني الذي يطيب تكفيره على فرضية تكفير العلمانية كفكرة رغم تبنيها بتجدد من عديد المفكرين والساسة المسلمين، وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان كمثال.
تعرض الكُتّاب المستنيرون والثوار والمقاومون للاتهامات المعيبة وذلك في سياق النقد الاسلاموي للفكر القومي/الوطني باعتباره فكرًا وثنيًا كافرًا! وبرزت مصطلحات التجهيل العجيبة للمخالفين مثل “التمكين والبراء والاستعلاء” ضد الآخرين من غير حزب أو فكر محدد!
سادت بمراحل سابقة مصطلحات (قومجية ووطنجية..) تحقيرًا وتنفيرًا وتشويها واتهاما بالخروج عن الاسلام، وما الى ذلك إزاء الاشتراكيين.
إثر سقوط الشيوعية والمنظومة الاشتراكية في روسيا (الاتحاد السوفيتي السابق) وبعد هدوء الروح الإسلاموية، وصعود هذه التنظيمات سار الناقدون فيها (بعضهم) لاحقًا متفاخرين بالديمقراطية التي كفّروها (كفّر المتطرفون الاسلامويون خماسية الأفكار التالية: القومية والاشتراكية والوطنية والعلمانية والديمقراطية في مراحل، وبعضهم مازال حتى الآن).
تبنى الناقدون للخماسية هم أنفسهم للفكر الوطني تارة (كما فعلت فصيل حماس في وثيقة 2017م-الدوحة) وباعتبارهم حُماته، ومتجاوزينه أحيانًا انتصارًا لأوحدية وقداسة الفكرة التي يطرحونها بفرضية احتكارهم للإسلاموي أو التقدمي أو المقاوم والثوري.
في خضم الحرب الاستئصالية ومعركة الإبادة الصهيوأمريكية ضد شعبنا في قطاع غزة (2023-2024م)، حيث (مجزرة صبرا وشاتيلا) ترتكب كل يوم في غزة، وإعادة المنطقة للعصر الحجري كما قال قادة العدوان الصهيوني الفاشي وفعلوا، نظر عدد من الكتاب والمفكرين من زوايا مختلفة للرائج والسائد من تهليل أو تهييج أوالتحشيد الرعاعي (من مصطلح “همج رعاع” لعلي بن أبي طالب-رض) باتجاه حزب لذاته أوفكرة منزهة مقدسة لسبب ارتباطها بحزب أو شخص ما.
الكتاب والمفكرون العرب والفلسطينيون لهم الحق -كما لكل مواطن- أن يقولوا رأيهم حتى لو خالف السائد أو الرائج المرتبط بالتهييج والتقديس والإرهاب الفكري في ظل العدوان.
إبداء الرأي حق، وقوله فريضة حيث الإعلاء من قيمة الانسان والجماهير باعتباره الهدف الأسمى دينيًا ووطنيًا، كما الأرض من أي ثورة أو مقاومة لذلك كان الفدائي يفدي شعبه وأرضه وليس العكس بتاتًا في النظرة المقلوبة رأسا على عقب.
قال عليه أفضل الصلاة والسلام “أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر”. فما بالك إذ أصبح الإعلام التهييجي الدعائي الترويجي التضليلي اليوم وراسمو سياسته أقوى من السلطان الجائر، ويجورون على العباد بالتدجيل والتحشيد وحول تقديس مسار أو فكرة او أداء أو شخص أو فئة بعينها!
والأدهى والامرّ أن الدول التي ترعى هذا التهييج الإعلامي (السلطاني الجائر) لا هي مقاومة، ولا هي ثورية، ولا تتبنى الكفاح المسلح أو غير المسلح أصلًا!؟
تعلمنا في إطار الحركة الوطنية أن نتفق او نختلف اليوم في موقف وقد نتفق غدًا، فلا نرجُم الآخر –بشخصه-بأحجارنا، كما تعلمنا من المفكر الكبير خالد الحسن وإنما نركز على تبيان صحة أو خطأ الفكرة أو الموقف.
إن الشخص نحترمه حينما نتفق معه، ونحترمه حينما نختلف معه أيضًا سواء في موقف أو أكثر وهكذا كان العمل في إطار الديمقراطية والحوار وأدب الاختلاف مما تعلمناه في إطار ما كان يحصل بين القادة الكبار أمثال صلاح خلف “أبوإياد” وأبوجهاد، أو بين ياسر عرفات وجورج حبش الذي قال في الختيار أبوعمار: نختلف معه ولا نختلف عليه

شاهد أيضاً