في المفهوم:
تناولنا في دراستنا السابقة من مناهج النقد الأدبي, (الأسلوب). حيث تطرقنا إلى طبيعة وأهميّة المفهوم, وتاريخه, والعديد من الآراء التي تناولته قديماً وحديثاً لدى نقاد الغرب والنقاد العرب. كما بينا أهميّة الأسلوب ليس في نقد الدراسات الأدبيّة فحسب, بل وفي الدراسات الفكريّة والفلسفيّة عامة, على اعتباره يمثل الكاتب أو الأديب بما يحمل من مخزون ثقافي أو أدبي أو فني, ومدى قدرته على توظيف هذا المخزون في نصوص ترسل للمتلقي لتترك أثرها عند هذا المتلقي, عقلياً وجمالياً ونفسياً وأخلاقياً وغير ذلك من مجالات التأثير.
أما في دراستنا الثانية هذه, فسنتطرق إلى (الأسلوبيّة) لأهميتها في الدراسات النقديّة الأدبيّة بشكل خاص, والفلسفيّة والفكريّة بشكل عام أيضاً.
نقول: إذا كان الأسلوب – كما تبين معنا عند دراستنا له – أنه طريقة في التعبير أو الإنشاء أو الكتابة، مثلما هو طريقة اختيار الألفاظ والجمل والعبارات والصور والتخيل والانزياحات اللغويّة وجماليات البلاغة من تشبيه واستعارة وجناس وطباق وغيرها, وتأليفها والتعبير بها عن الأفكار والمعاني قصدًا للإيضاح والتأثير بالمتلقي. أو هو بتعبير آخر العنصر اللفظي في النص، يقابله العناصر المعنويّة كالأفكار والخيال والعاطفة. فإن “الأسلوبيّة ” مصطلح لغوي, ظهر مع البدايات الأولى من القرن التاسع عشر ميلادي, بعدما زُحْزِحَ المنهج التاريخي عن مكانه, حيث عدّت الأسلوبيّة منهجاً وصفيّاً يعتمد على التراكم المعرفي الكمي والمعاينة المباشرة، وذلك بتسجيل الملاحظات عن الأشياء والوقائع، وإدراك ما بينها من علاقات متبادلة، وتصنيف خصائصها وترتيبها. ويعود الفضل في ظهوره إلى العالم السويسري “فيرديناند دي سوسير – (عالم لغوي سويسري), “ومن بعده “شارل بالي – (عالم لغوي سويسري), “و”ريفاتير” – (ناقد أدبي فرنسي) -, وغيرهم من النقاد الغربيين. وقد عرّفها “جاكبسون” – (ناقد أدبي روسي) -: بأنّها (البحث عمّا يتميّز به الكلام الفني عن بقيّة مستويات الخطاب أولًا، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانيّة ثانيًا، فيرى أنّها فنٌّ من فنون شجرة اللسانيّات.). (1). ثم تلقف مفهوم “الأسلوبيّة” النقاد العرب, أمثال “صلاح فضل”، “عبد السلام المسدي”، و”نور الدين السد” وغيرهم. (2). حيث اعتبرت “الأسلوبيّة” اليوم عند بعض النقاد, منهجاً من مناهج النقد الأدبي الحديث والمعاصر، أوّ من مناهج الحداثة… متفرّع من شجرة اللسانيات، يقوم بدراسة الأسلوب في اللغة حين يمارسه الإنسان كلامًا يَنْطُقٌ به أو يَكْتُبُهُ. وبالتالي فهي تدرس كا أشرنا قبل قليل, كلَّ ما يتّصل بمظاهر الانحراف الجمالي والانزياح، أو ما يسمى العدول في النصّ الأدبي، وتهتمّ كذلك بكلّ ما يتصل باللغة من أصوات وكلمات وصيغ وتراكيب ونحو وصرف ودلالة، وكذلك فإنّ “الأسلوبيّة” تخرج عن نظام اللغة من حيث الترتيب في التراكيب، وحذفها وذكرها وغيرها من الأساليب اللغويّة كالتقديم والتأخير وغير ذلك. يقول الدكتور “عدنان علي رضا النحوي”: (والأسلوبيّة هي علم كما يراها بعض الدارسين الغربيين, أو هي نقد أو فلسفة أو نهج كما يراها آخرون تقترن دائماً بالأسلوب, فحيثما وجد أحدهما, وجد الآخر, فإذن الأسلوب والأسلوبيّة متلازمان).(3).
هذا وقد أخذت التحليلات الأسلوبيّة – اليوم – تحتل مكانـة مهمة في عالم الأدب, وصارت موضوعاتها الأسلوبيّة تستهوي عدداً كبيراً من الباحثين الذين تأثروا بها, وراحوا يجدون في المحاولات التي تبذل في إنصافها هداية تسهم في اكتشاف حقيقة الإبداع الأدبي من جهة, وحقيقة المنهجيّة العلميّة للتحليل الأسلوبي للأدب ولغيره من العلوم الفلسفيّة والاجتماعيّة من جهة ثانية. وللأنساق الثقافيّة وما هو مضمر فيها من جهة ثالثة.
نشأة الأسلوبيّة :
يرى الناقد والأديب “رابح بوحوش” أن العالم الفرنسي “جوستاف كوبرتنج” هو من بشر بأهمية الأسلوب في العصر الحديث سنة 1887م, من خلال انتباهه إلى طريقة الأسلوب الفرنسي القديم في تعامله مع الرسائل الجامعيّة تلك الفترة. إذ تبين له (أن واضعي الرسائل الجامعيّة يقتصرون على وضع تصنيف وقائع الأسلوب التي تلفت أنظارهم طبقا للمناهج التقليديّة. وهو بهذا يذهب إلى أن الهدف الحقيقي لهذا النوع من البحوث من الأحسن أن يتوجه للبحث في أصالة التعبير الأسلوبي، أو خصائص النتاج الأدبي، التي تكشف عن أوضاعها الأسلوبيّة في الصناعة الأدبيّة، وتكشف بالطريقة نفسها عن التأثير الذي مارسته هذه الأوضاع.). (4).
لا شك بأنه في تلك الفترة بالذات, لم تتضح بعد معالم وملامح الأسلوبيّة، وظلت على هذا الحال بين مد وجزر، (حتى تبلورت الأفكار اللسانيّة كما بينا قبل قليل لدى العالم السويسري “فيرديناند ديسوسير” في كتابه الشهير «محاضرات في اللسانيات العامة» الذي كان له الفضل في إرساء قواعد الأسلوبيّة بفضل الأفكار التي طرحها في كتابه، لكن الفضل الأكبر يعود إلى تلميذه “شارل بالي” خصوصا عندما نشر كتاب «محاضرات في اللسانيات العامة» بعد وفاة أستاذه “دي سوسير” بثلاث سنوات, لأنه بعد أن أتقن فكر أستاذه الذي كان صاحب نظريّة ومنهج…ابتكر ما سمي بالأسلوبيات التعبيريّة.). ( 5).
اتّجاهات الأسلوبيّة:
اتجاهات الدراسات الأسلوبيّة,:
لقد اتجهت الدراسات الأسلوبية في تاريخنا الحديث والمعاصر إلى اتجاهات عدّة أهمها:
1- الأسلوبيّة التعبيريّة: ورائدها “شارل بالي”، وتهتم بأثر الجانب الوجداني في تشكيل السمات الأسلوبيّة للغة، وبعَمَلُ الناقد الذي يبين مدى الارتباط بين التعبير اللغوي والشعور النفسي.
2- الأسلوبيّة الأدبيّة: ورائدها “ليو سبيتزر- ناقد أدبي نمساوي”، ويطلق عليها التكوينيّة, أو أسلوبيّة الفرد, لأنها ترصد علاقات التعبير بالمؤلف. وتهتم بتفسير السمات الأسلوبيّة في العمل الأدبي. وتهتم بالنص. وتنطلق من معرفة الاستعمال الفعلي للغة.
وكلا الأسلوبين “التعبيري و الأدبي” سنوضحمها أكثر ونبين دلالاتهما في موقع آخر من هذه الدراسة لا حقاً.
3- أسلوبيّة المتلقي: ورائدها “ريفاتير”، وتركز على العلاقة بين النص والمتلقي، أكثر من علاقة المبدع بالمتلقي. وتسعى إلى البحث عن القارئ النموذجي، واكتشاف مغزى النص، وتتبع المزايا المؤثرة في القارئ. وهدف تحليل الأسلوب عند “ريفاتير” يتمثل في « الإيهام الذي يخلقه النص في ذهن القارئ». وهنا ربط بين الأسلوبيّة ونظريّة التلقي, التي تعتبر التفكيكيّة برأيي تجليات لهذه الأسلوبيّة.
4- الأسلوبيّة الإحصائيّة: تعتمد على الأرقام والإحصاءات، وتجمع المعلومات اللغويّة وتصنفها وتنظمها، وتدرس معدلات التكرار، تدرس الأسلوب رأسيّا وأفقيّاً. ولا يمكن الاعتماد عليها كليّاً أو الاقتصار عليها، ومن المهتمين بهذا الاتجاه الدكتور سعد مصلوح.
5- والأسلوبيّة البنيويّة: وهي التي تهتم بالبنى الرئيسة المكونة للنص، ومن أوجه التشابه بين البنيويّة والأسلوبيّة الاهتمام بالعناصر المهيمنة على النص، وأحياناً بالعناصر الفرديّة.(6).
هذا ويرتكز حقل الأسلوبيّة على (ثنائية تكامليّة هي من مواضعات التفكير الألسني, وهما: ظاهرة اللغة, وظاهرة العبارة. وتتمثل في تفكيك مفهوم الظاهرة الألسنيّة. وقد أحكم استغلالها علميّا “دي سوسير”، وقد اعتمد معظم الألسنيين بعد “دي سوسير” هذا الثنائي فحاولوا تركيزهما في التحليل, وتدقيقه بمصطلحات تتلون بسمات اتجاهاتهم الألسنيّة).(7).
وبحسب هذه الفكرة فقد أفادت الأسلوبيّة من علم اللغة الحديث فكرتين مهمتين:
الأولى: التمييز بين “اللغة” و”القول” التي قال بها العالم “دي سوسير”, إذ ميز بينهما تمييزاً دقيقاً, فـ (القول) عنده نظام متعارف عليه من الرموز التي يتفاهم بها الناس في علاقاتهم اليوميّة المباشرة, أما (اللغة) فهي صورة اللغة المتحققة في الواقع, أي في استعمال فرد معين لهذه الصورة في حالة معينة كاستخدام الشاعر أو الأديب لها, وهذا الاستعمال يطابق النظام العام للغة في صفاته الأساسيّة, ولكنه يختلف في تفصيلاته من فرد إلى آخر, ومن حالة إلى حالة, فلكل فرد من المتكلمين أو المبدعين طريقته الخاصة. وهذه الفكرة قادت إلى نشوء علم الأسلوب, لأنها شخصت السمات التي تتخذها اللغة في الاستعمال, وهي التي تكوّن ما سمّاه أهل الأدب “الأسلوب”.
الثانية: إن الاختلافات اللغويّة ترجع في الغالب إلى اختلاف المواقف, فاللغة بوصفها نظاماّ اجتماعيّاّ تأخذ أشكالاً متعددةً, وهو ما يجعل لكل فئة من الناس طريقتها الخاصة في استعمال اللغة ومن أبرز عوامل الاختلاف:
1- الجنس: فكثير من الكلمات تشيع بين النساء ولا تشيع بين الرجال.
2- العمر: فالشباب يختلفون عن الأطفال, وكذا الشيوخ في استعمالهم اللغة.
3- المهنة: فالطبيب يستعمل طريقة في التحدث تختلف عن طريقة القضاة مثلا.
4- البيئة الاجتماعيّة: فالبادية تختلف عن الحاضرة في أدائها اللغوي.
5- إن المناسبات الاجتماعيّة والمواقف تتطلب في بعض الأحيان أداءً لغوياً مناسباً لها. (8).
إن هذه الاختلافات في التعبير وغيرها تشترك في تكوين الموقف الذي يحاول القائل أن يراعيه, فيما يختار من طرق التعبير, حتى يستطيع أن يوصل ما يريده إلى شخص آخر أو جماعة من الناس, فهو لهذا يتخيّر طريقة التعبير المناسبة للموقف.
أما عند “شارل بالي” فقد أخذت الأسلوبيّة تتسع, وتتحدد معالمها بشكل أوسع, إذ وجّه اهتمامه إلى دراسة اللغة عامة, غاضاً نظره أو اهتمامه عن كل توسع في أشكالها الأدبيّة, حتى يمكن القول إنه اهتم بدراسة اللغة مفردات وقواعد, ولم يهتم بدراستها استعمالاً خاصاً, أو لم يهتم بما يستطيع الفرد أن يفعله بها في ظروف معينة, وغايات محددة, وقد صنف “بالي” الواقع اللغوي (فجعل الخطاب نوعين: نوع حامل لذاته غير مشحون, وآخر حامل للعواطف والخلجات وكل الانفعالات لدى المتكلم. فبحسب رأيه “قد يضفي المتكلم على معطيات الفكر ثوباً موضوعيًّاً وعقليّاً مطابقاً جهد المستطاع للواقع, ولكنه في أغلب الأحيان, يضيف إليها – بكثافات متنوعة – عناصر عاطفيّة قد تكشف الأنا في صفائها الكامل, وقد تغيرها ظروف اجتماعيّة مردها حضور أشخاص آخرين, أو استحضار خيال المتكلم لهم..). (9).
وعليه فإن هناك – بحسب فكرة “شارل بالي” – نوعين من الأسلوب:
الأول: الأسلوب التعبيري: وهو ذو وظيفة أبلاغيّة, وغايتها إثبات إرادة المتكلم بالألفاظ, ومنهجه دراسة الوسائل التعبيريّة في المجال اللغوي الذي تلتقي فيه اللغة بالحياة, وقد أشار إلى هذا النوع (شارل بالي), فقال:”( إن اللغة الطبيعية كالتي نتكلمها جميعاً ليست في خدمة التفكير الصرف, ولا في خدمة الفن, ولا تأخذ في اعتبارها المنطق الأعلى, ولا المثل الأدبي الأعلى, وليست إقامة القياسات المنطقيّة واختتام الجمل وفق التفاعيل الشعريّة. إنما وظيفتها الأوليّة والثابتة وبكل بساطة, تأتي في خدمة الحياة, لا حياة الأقليّة بل حياة الكل, وبكل مظاهرها. ووظيفتها اجتماعية). ( 10).
الثاني: الأسلوب الأدبي: وهو ذو وظيفة فنيّة تجعل للعمل الأدبي خصائص ومميزات تميزه عن غيره, ومن أبرز رواده (ليوسبتزر), الذي قال في توضيح هذا الأسلوب: ( يجب أن يبدأ في الحقيقة أي تحليل للنص, وأيّة دراسة في فقه اللغة, بنقد الجمال, مع الاعتبار بأن كمال العمل المدروس أمراً مفروغاً منه, وبرغبة كاملة في المشاركة الوجدانيّة, ويجب أن يكون دفاعاً وتبريراً موجزاً…). (11), وهكذا يبدو أن الأسلوب الأدبي أسمى من الأسلوب التعبيري, وأجل شأنا, وهو مدار الدراسات الأسلوبيّة ولبنة النصوص الإبداعيّة.
إن المتأمل لتعريفات الأسلوبيّة التي جئنا عليها يرى:
أولا: عجز هذه التعريفات عن بيان معنى واضح يجلي الغبار عن ما يحيط بها من غموض, ولعل ذلك ناتج عن اختلاف المنطلقات التي حددّها لها أصحابها من جهة, واختلاف المناهج المطبقة لنمط معين من الأسلوبيات لدى هذا الناقد أو ذاك من جهة ثانية.
ثانيا: لقد حاول بعض أصحاب الأسلوبيّة جعل دراسة الأسلوبيّة تقوم على أسس موضوعيّة تقرّبها من الدراسة العلميّة, وتنأى بها عن الانطباعات الذاتيّة, والآراء الشخصيّة, التي كانت سائدة منذ القدم, وهذا ما حدا بهم إلى محاولة إكساء هذا الفن ثوب العلميّة والابتعاد التدريجي عن التذوق الأدبي, وربما كان تباين وجهات النظر التي انطلق منها الباحثون أو النقاد عاملا مهما في صعوبة تحديد تلك الأسس. أو بكلمة أدق صعوبة تحديد المسار الموجه الذي يمكن الاعتماد عليه في تحديد اتجاهات الدراسة الأسلوبيّة, والنتائج المستخلصة منها, حتى حدا ببعضهم إلى اعتماد الأسلوبيّة منهجاّ يناهض المناهج القديمة ويهدمها بوصف الأسلوبيّة “الوريث الشرعي للبلاغة”, بينما يرى بعضهم عكس ذلك ومن بين هؤلاء الناقد المغربيّ “عبد السلام المسدي”, الذي يقول: (إنّ البلاغة علم معياري؛ أي أنـّها تـخضع إلى قواعد وقوانين معينة على المتكلم أن يلتزم بـها، أمّا الأسلوبيــّة فــهي علم وصفي يـستقرئ الـظاهرة الإبداعيّـــة ضمن منهج يــتتبع الأحداث و الــظواهر الـمشتتة لتنتهي إلى خصائص مشتركة.). (12).
غير أنّ “محمد عبد الـمطلب” يرى بأنه: (من الـمؤكد قد حدث تداخل بين اختصاصات البلاغة القديـمة والأسلوبيّة الحديثة، غير أنّ البلاغة لـم تعد قادرة على الاحتفاظ بكل حقوقها القديـمة، التّي كانت تناسب فترة معينة من ماضينا، والتّي يـجب على الباحث في الأسلوبيّة أن يضعها في اعتباره، وأن يـحاول تعميقها على ضوء الـمناهج الـجديدة، وبـهذا يـمكن للنقد أن يتصل بالأسلوبيّة في مـحاولة الكشف عن الـمظاهر الـمتعددة للنّص الأدبيّ).(13). في حين سار آخرون في خط معتدل, ورأوا فيها من مكملات الدرس البلاغي القديم, (أو أنّ الدرس البلاغيّ العربيّ لم يكن إلاّ درسًا أسلوبيًّاً، وذلك بالنّظر إلى معظم التعريفات البلاغيّة عند العرب ومقارنتها بالتعريفات البلاغيّة للبلاغة القديـمة، أو أنّـها البديل و الوريث الوحيد لـها…).(14).
ويبدو لي إن عدم وجود منهج واضح يحدد المنطلقات الأساسيّة للدراسة الأسلوبيّة, بل إن الأسلوبيّة ذاتها راحت تخضع للمناهج الأدبيّة الحديثة والمعاصرة, من بنيويّة وتفكيكيّ وشكلانيّة وواقعيّة وبنيويّة تكوينية وانعكاسيّة وغيرها, ثم غياب الأصول التي تعنى بالكشف عن قيمة النصوص الأدبيّة, ثم تفرّد الأدباء في تطبيقاتها قد جعل منها عرضة للنقد, وموضعا للاتهام بعدم قدرتها على حل مشكلات النقد. (ولكن في مطلع القرن الماضي ظهر للأسلوبيّة مفهومان:
الأول: دراسة الصلة بين الشكل والفكرة. والثاني: الطريقة الفرديّة في الأسلوب, أو في دراسة النقد الأسلوبي, وهي تتمثل في بحث الصلات التي تربط بين التعبيرات الأدبية الفرديّة والوجدانيّة.). (15). وكان هذا المفهوم أساس الخلاف بين الأسلوبيين, وتعدّد اتجاهاتهم, وكان من نتائج ذلك تعدد الأسلوبيات كما بينا في موقف سابق من هذه الدراسة, فظهرت الأسلوبيّة التعبيريّة (الوصفيّة), والأسلوبية البنيويّة, والأسلوبيّة التكوينيّة (أسلوبيّة الفرد), وأسلوبيّة الانزياح, وأسلوبيّة السياق, والأسلوبيّة الإحصائيّة. وتبعا لهذا الخلاف تعددت المدارس المطبقة لهذه الأسلوبيات, فكان هناك المدرسة الفرنسيّة, والألمانيّة والإيطاليّة, ومدرسة الشكلانيين الروس. (16).
أهم سمات الأسلوبيّة:
إن من أهم السمات التي يمكن أن تميز الدراسة الأسلوبيّة إذا ما تخلت أو ابتعدت برأيي عن المناهج النقديّة, عليها أن (تبدأ من النص نفسه, الأدبي أو غيره, ومن الكلمات والطريقة التي ترتبط في القطعة الكتابيّة الخاصة, ولكن عليع أن يبدأ على الأقل من نقطة إيجابية يمكن تحديدها. بمعنى إن الأسلوبيّة ليس من شأنها أن تتعرض إلى رسالة الأدب أو مذاهبه, كما ليس من شأنها التمييز بين مذاهب الأدب المختلفة كتلك التي ترى في الأدب تمثيلا لتجربة بشرية’ أو تلك التي ترى فيه نقدا للحياة, أو تلك التي ترى فيه وسيلة للتعبير عن ذات الإنسان أو تعكس شخصيته, كما أنها لا تتدخل في تقييم الأدب, فذلك مجاله اتجاهات نقديّة أخرى تتعلق بالذوق الشخصي أو مبنية على اتجاهات جماليّة معينة(17).
خطوات التحليل الأسلوبي:
1- الاقتناع بأن النص جدير بالدراسة، وهذه العلاقة تبدأ باستحسان الناقد للنص، وتنتهي حين الشروع في التحليل والدراسة، حتى نتجنب الأحكام المسبقة.
2- ملاحظة التجاوزات النصيّة, كالانزياح وتكرار لفظ، أو قلب نظام الكلمات، أو التقديم والتأخير وغير ذلك. وتسجيلها بهدف الوقوف على مدى شيوع الظاهرة الأسلوبيّة أو ندرتها، ويكون ذلك بتجزيئ النص إلى عناصر، ثم تفكيك هذه العناصر إلى جزئيات صغيرة، وتحليلها لغويّاً. فالتحليل الأسلوبي يقوم على مراقبة الانحرافات.
3- الوصول إلى تحديد السمات التي يتسم بها أسلوب الكاتب من خلال النص المدروس، ويتم ذلك بتجميع الخصائص الجزئيّة التي نتجت عن التحليل السابق، واستخلاص النتائج العامة منها. وهذه العملية تشبه التجميع بعد التفكيك، والوصول إلى الكليات، انطلاقاً من الجزئيات. (18).
ملاك القول: يمكننا القول هنا: إن الأسلوبيّة تمثل منهجاً علميّاً في طريقة صياغة النص الأدبي بشكل خاص, والفكري بشكل عام. وإنها نظرة شموليّة تقتضي مقاييس محدّدة يدرك من خلالها قوام الإبداع الأدبي. ويمكن القول أيضاً من جهة أخرى إن الأسلوبيّة في أبسط معطياتها تعدُّ حلقة وصل بين علم اللغة والدراسات النقديّة, فتنطلق إلى النص الأدبي مستعينة بالدراسات اللغويّة المعنيّة ببنية اللغة. وأهمية التحليل الأسلوبي تبدو لنا في عملية الكشف عن المدلولات الجماليّة في النص، وذلك عن طريق النفاذ إلى مضمونه وتقسيم عناصره. والتحليل بهذا يمهد الطريق للناقد ويمده بمعايير موضوعيّة تمكنه من ممارسة عمله النقدي وترشيد أحكامه، ومن ثم قيامها على أسس منضبطة. (ويستند الباحث الأسلوبي إلى: التحليل الصوتي للنص، والصرفي، والنحوي (التركيبي)، والمعجمي، والدلالي (التصويري). فيقوم بفحص العناصر النحويّة/ التركيبيّة للعبارات المختارة ويفسرها بوصفها إشارات لمقاصد المؤلف، وبمعنى أدق للمغزى الأعمق لما يكتبه. (كتكرار لفظ، أو قلب نظام الكلمات، وغير ذلك. (19). أي التركيز على شكل النص الأدبي ومدى توافقه مع علم البلاغة.
كاتب وباحث من سورية.
d.owaid333d@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- (الأسلوبية: المفاهيم والإجراءات – موقع الجزيرة). بتصرف. وهدف الأسلوب هو تحقيق غايتين هما ” الإقناع و الإمتاع “.
2- (الأسلوبيّة- مفاهيمها عند النقاد الغربيين والعرب – أ. مداني علاء – و أ.د عبد الحميد هيمه. مجلة الأمر – جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي.(الجزائر).https://dspace.univ-ouargla.dz/jspui/bitstream/123456789/17948/3/T3025.pdf).
3- (علي حاجي خاني، إضاءات نقدية فصلية محكمة، صفحة 84. بتصرّف.
4- (بيير جيرو :الأسلوبية ،ترجمة: منذر عياشي، مركز الانماء الحضاري،ط2، 1994،ص54.).
5- (نشأة الأسلوبية.( e-leerning-universite-dem,sila).
6- (الأسلوبية: المفاهيم والإجراءات – موقع الجزيرة). بتصرف. ويراجع أيضاً. ( في الاسلوب والاسلوبيّة موقع جامعة آل البيت – الباحث: محمد حسين عبد الله المهداوي). بتصرف.
7- ( في الاسلوب والاسلوبية موقع جامعة آل البيت – الباحث: محمد حسين عبد الله المهداوي). بتصرف.
8- المرجع نفسه. بتصرف.
9- المرجع نفسه. بتصرف.
10- (مجلة فكر – العلاقة بين الأسلوبيات والبلاغة العربية بين القديم والحديث – د. خديجة أسماء لرجاني – الجزائر).
11- المرجع نفسه.
12- المرجع نفسه.
13- (في الاسلوب والاسلوبية موقع جامعة آل البيت – الباحث: محمد حسين عبد الله المهداوي).
14- المرجع نفسه. يتصرف.
15- المرجع نفسه. بتصرف.
16- المرجع نفسه. بتصرف.
17- (الأسلوبية: المفاهيم والإجراءات – موقع الجزيرة). بتصرف.
18- ( في الاسلوب والاسلوبية موقع جامعة آل البيت – الباحث: محمد حسين عبد الله المهداوي). بتصرف.
19- المرجع نفسه. بتصرف.