صحيح أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، لكن بالنسبة لقطاعات عديدة من الأمريكان، فإن الانتخابات ربما حُسمت بالفعل الخميس الماضي.
بعد الأداء (سأحاول استخدام كلمات مهذبة قدر الإمكان) وأقول إنه باهت للغاية فحسب، للرئيس بايدن أمام غريمه ترامب.
ومن المؤكد أنه مهما حاول خبراء وقياديو الحزب الديمقراطي، من تجاوز الأداء الكارثي لبايدن، أو Sleepy Joe كما يطلق عليه العامة هنا في الشارع الأمريكي، فإن قطار ترامب دهس بايدن بالفعل، وأصبح طريقه إلى البيت الأبيض مفروشا بالورود، اللهم إلا إذا طرأ جديد أو استجاب بايدن لنصائح المخلصين بالانسحاب من السباق الرئاسي.
لقد كان أداء بايدن كارثيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا أتذكر أن هناك مناظرة رئاسية حظيت بهذا التأثير من قبل على مسار الانتخابات، منذ أول مناظرة والأهم على الإطلاق في 1960 عندما عقدت أول مناظرة متلفزة بين جون كينيدي، وريتشارد نيكسون، ويقال أنها السبب الرئيسي لفوز كينيدي الذي بدا أكثر حيوية وثقة أمام الكاميرا مقارنة بنيكسون، وبفضل ذلك نجح الأول في الفوز بالانتخابات بفارق يبلغ 0.02%.
لكن كانت حتى في ذلك الوقت الفوارق ضيقة والهوامش بين المرشحين ضئيلة، وما حدث الخميس الماضي، كان أبعد من ذلك بكثير، كان بمثابة الصاعقة التي هبطت على رؤوس الجميع، وأقصد هنا بالجميع معظم الديمقراطيين – وعدد كبير من المستقلين والجمهوريين – والذين يرون أن ترامب يمثل تهديدًا للديمقراطية، والذين أحبطهم أداء الرئيس بايدن ليلة الخميس.
ورغم أن بعض القيادات الديمقراطية سارعت لمحاولة احتواء الموقف، إلا أن بعض الأصوات الديمقراطية، خرجت للرأي العام الأمريكي، لتهاجم أداء بايدن صراحة بل وتدعوه للانسحاب فورا.
أحد هذه الأصوات كان الخبير الاستراتيجي الديمقراطي بول بيجالا، والذي قال حرفيا عن مرشح حزبه: “كان أسلوب الرئيس جو بايدن فظيعًا بكل بساطة.. صوته كان حادًا، وكانت بعض الإجابات متعرجة، وغالبًا ما كان يحدق بفم مفتوح بينما كان دونالد ترامب يتحدث”.
أكد بيجالا: “أنهم بحاجة إلى محارب، وليس هامسًا لهزيمة ترامب”.
صوت آخر من الأصوات المحسوبة على الديمقراطيين، هز الأوساط الديمقراطية خلال الساعات الماضية، وهو مقال “عزيزي جو” للكاتب جاي باريني، من مسقط رأس بايدن في سكرانتون بولاية بنسلفانيا، وكانت والدته جليسة أطفال بايدن، والذي نشر مقاله على CNN.
وقال فيه: “قلة من القادة في التاريخ الأمريكي كان لديهم قلبك الكبير أو إحساسك بالاعتدال. لقد أنقذت هذا البلد من كارثة في عام 2021، وأعدتنا إلى الشعور بالحياة الطبيعية بعد تمرد وحشي، شارك فيه حشد مجنون حطموا نوافذ مبنى الكابيتول وهددوا بشنق نائب الرئيس آنذاك مايك بنس”.
لكنك، والكلام مازال لـ باريني، رجل عجوز الآن، مثلي. أعرف ما يعنيه استحضار الطاقة للتحرك بقوة خلال اليوم. أجسادنا لا تتعاون كما فعلت من قبل. في بعض الأحيان يكون من المؤلم حتى الاستيقاظ في الصباح.
«للأسف، كان ذلك واضحًا بالنسبة لي منذ اللحظة التي دخلت فيها – في حالة ذهول وارتباك – إلى منصة المناظرة يوم الخميس في أتلانتا ضد الرئيس السابق دونالد ترامب. لقد بدوت قديمًا، شاحبًا وهشًا. كنت تقريبا متلمساً طريقك إلى المنصة. كان خطابك متوقفًا، وغالبًا ما يكون غير متماسك. نكاتك سقطت في توقيت سيئ، وخرجت عن السياق. لقد سمحتم لدونالد المجنون بالكذب مع الإفلات من العقاب والسخرية من ردودكم».
«لقد وجدت نفسي أبكي. البكاء عليك. نبكي على أمتنا».
«أنت رجل يتمتع بقدر كبير من النزاهة يا جو، ويجب عليك – يجب عليك – أن تتنحى. افعل ذلك من أجل بلدك وحزبك. إن التهديد بأربع سنوات أخرى من حكم ترامب.. هو تهديد وجودي».
الحقيقة أن مقال باريني، كان له عظيم الأثر هنا وهناك، إذ أرسله لي العديد من الأصدقاء من ولايات مختلفة، لكن يبدو أن كل المؤشرات الأولية على الأقل، لا تشير إلى انسحاب بايدن، بعد فوزه في انتخابات الحزب التمهيدية بسهولة، أو كما قال لي أحد مسؤولي حملة بايدن نفسه، بأن الطريق الوحيد لانسحاب بايدن هو انسحاب بايدن من تلقاء نفسه.
كانت المناظرة الرئاسية الخميس الماضي حدثا غير معتاد، على الرغم من أنها تقليد متبع منذ 1960، فلأول مرة تعقد المناظرة قبل تسمية المرشحين رسميا خلال مؤتمرات أحزابهما، وللمرة الأولى كذلك لا تشرف لجنة المناظرات الرئاسية على المناظرة الرئاسية، ويبدو أنها ستكون أول مناظرة تطيح بالرئيس الحالي من حلبة السباق للمرة الأخيرة.
لقد أطلقت المناظرة أجراس الإنذار بين العديد من الأمريكيين الذين يتعين عليهم اختيار رئيس هذا الخريف، وربما تناولت أمورا لم يتم تناولها في أي مناظرة سابقة، فمن هو أفضل لاعب غولف، ومن مارس أو لم يمارس الجنس مع نجمة إباحية، ويتمتع بـ”أخلاق قطة الشوارع”، لقد كانت المناظرة أشبه بمسرحية هزلية سريالية امتدت لحوالي 90 دقيقة.
لن أتناول هنا ما قيل أو لم يقال، فمحتوى كلام المرشحيْن تم غربلته بمعرفة مدققي الحقائق، ومن المؤكد أن ترامب كرر الأكاذيب نفسها وروج المؤامرات نفسها.
ومن المؤكد أنه لا يهم حقا إذا كان ترامب كاذبا أم لا أو مخادعا أم لا، لقد نجح وتسربت كلماته إلى رؤوس الناخبين المترددين، مدفوعين بالأداء القوى له في المناظرة.
لقد أصبح مستقبل الحزب الديمقراطي، على المحك، لا يتعلق الأمر فقط بعمر جو بايدن. ولا يقتصر الأمر على كارثة المناظرة التي خاضها، إن الخطوة التالية هي أكبر ما يقلق الحزب الديمقراطي حقا.
حيث يخشى قادة كبار في الحزب أنه حتى في حال فوز بايدن، فإن فترة رئاسية أخرى له تمتد لـ4 سنوات قد تتسبب في خسائر فادحة، ربما تقترب هذه الخسائر كثيرًا من الولايات المتحدة ذاتها.
وبينما يحاول كبار قادة الحزب الديمقراطي حثٌ بايدن على الانسحاب، حرصا على مستقبل الحزب ومستقبل الديمقراطية الأمريكية نفسها، حيث لا توجد أي فرصة لبايدن في هزيمة ترامب، يبدو أن بايدن نفسه متمسك بموقفه حتى النهاية.
لكن بعض المسؤولين بحملة بايدن الرئاسية كشفوا لنا عن سيناريو يتم الإعداد له بمعرفة شقيقة بايدن، فاليري بايدن، وصديقه القديم تيد كوفمان، لحث بايدن على الانسحاب لصالح مرشح شاب للحزب، لكن لا يزال هذا السيناريو بانتظار التوقيت المناسب لطرحه على الرئيس.