حرب غزه تطيح بحكومات أوروبا

عصام ابو بكر
عصام أبوبكر

يبدو أن الحرب الدائرة في غزة وتأثيراتها قد أحدث زلزالا في أوروبا بعد أن شهدت عواصم ومدن عربية وغربية مسيرات ومظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات تنديدًا بالحرب
ففي مفاجأة كبيرة أظهرت التقديرات النهائيه لنتائج التصويت في الانتخابات التشريعية في فرنسا إلى تصدّر تحالف اليسار بقيادة جان لوك ملونشون واحتلال معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون المرتبة الثانية، متقدمًا على أقصى اليمين، لكن دون أن تحصل أي كتلة على غالبية مطلقة في الجمعية الوطنيةلانتخابات فرنسا وفي بريطانيا حقق حزب العمال فوزا ساحقا في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، بعدما اكتسح مئات المقاعد في جميع أنحاء البلاد وأنهى 14 عاما من سيطرة المحافظين على السلطة. وتم تعيين كير ستارمر رئيسًا للوزراء منهيًا حقبة شهدت إدارة خمسة قادة مختلفين من المحافظين للبلاد.

فقد أدت الحرب في غزه إلى نشوب انقسامات أجّجت التوتّر داخل الكثير من المجتمعات الغربيه وساهم النزاع أيضًا في تعميق الهوة الكبيرة داخل المجتمعات الاوروبيه وزاد من حدّة الانقسامات الداخلية كما فضحت الحرب ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع حربي أوكرانيا وغزه مما ادي صعود تيارات اليمين المتطرّف وقد أستغلّ السياسيون من اليمين المتطرف وكذلك اليسار الغاضب في أوروبا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وغياب أي أُفق سياسي مقبول لإقامة دولة فلسطينية، من أجل إحراز مكاسب انتخابية انطلاقًا من دعم الحكومات اللامتناهي لإسرائيل علي غير رغبة كثير من الشعوب الاوربيه التي انطلقت في مظاهرات ضخمه مندده بالحرب علي غزه

كما أدت الحرب في غزة إلى تمزّق أوروبا من نواحٍ عدّة، في ضوء تأجّج المشاعر بسبب الشعور بالذنب التاريخي والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني وذلك على امتداد الهويات المتعدّدة للأوروبيين أنفسهم وقد كشفت الاستجابة الأولى لمؤسسات الاتحاد الأوروبي عن قيادة منقسمة، وبرزت ردود فعل غاضبة على الزيارة التي قامت بها كلٌّ من رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة البرلمان الأوروبي إلى إسرائيل، والتي اعتُبِرت منحازة وغير منسجمة مع الدبلوماسية التقليدية للاتحاد الأوروبي، التي لطالما اعتمدت نهج التوازن في البيانات تجاه المسائل الفلسطينية والإسرائيلية.

كما شهد التصويتُ في الجمعية العامة للأمم المتحدة انقسامَ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ففي حين حافظ الاتحاد الأوروبي دائمًا على وحدة ظاهرية في التزامه بحلّ الدولتَين، والعودة إلى حدود العام 1967، وإدانة المستوطنات الإسرائيلية لكن خلال الأعوام الأخيرة، توطّدت علاقات بعض البلدان الاوروبيه مع إسرائيل، بدافعٍ من التاريخ، وكذلك الروابط الثنائية المتنامية في الاقتصاد والأعمال، ونشأ في بعض الحالات تقارب بين القادة السياسيين المنتمين إلى أقصى اليمين وقد تكشفت الحرب على ما يبدو عن عدم التوافق بين الحكومات والشعوب وظهر ذلك جليا في التناقض بين كم المظاهرات الضخمه المؤيده للقضيه الفلسطينيه والتي جابت جميع الدول الاوربيه وبالمقابل وقوف جميع الحكومات الاوربيه في جانب إسرائيل محاباة لأمريكا ما جعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي اتّخاذ موقف واضح من الصراع.

ولقد أدّى حجم الردّ الانتقامي الإسرائيلي وأعداد الضحايا المدنيين الكبيره الذين سقطوا من جرّاء الحرب الإسرائيلية على غزة إلى اندلاع احتجاجات واسعة في مختلف أنحاء أوروبا، ما كشف عن انقسام إضافي بين الشعوب والحكومات وفيما تختلف الاستجابة للصراع بين بلدٍ وآخر، بدءًا من تضامن ألمانيا التاريخي مع إسرائيل ووصولًا إلى تماهي إيرلندا مع الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، تظهر بعض التناقضات فالحكومات تنحاز إلى وجهة النظر الإسرائيلية، فيما يتحوّل الرأي العام، ولا سيما الأجيال الشابة التي تضمّ نسبة كبيرة من الأقلية المسلمة، لصالح القضية الفلسطينية.

وفي ظل تأجّج المشاعر وتعمّق الانقسامات بين الشعوب والحكومات الاوربيه والذى ظهر جليا في حرب غزه والتي ليس لها وسيله للتعبير عن غضبها من حكوماتها سوي صناديق الاقتراع وفي اول فرصه انتخابيه عبرت الشعوب الاوربيه في صناديق الانتخابات عن غضبتها وأسقطت حكوماتها كما في بريطانيا وفرنسا محدثه زلزالا في أوروبا ستكون له توابع في باقي دول الاتحاد الأوروبي التي ستسير علي نفس الدرب في سلسلة سقوط الحكومات الاوروبيه بسبب مواقفها المتخاذله من حرب غزه والتي اصبحت شعوبهم تري أنها لا تمثلها وإنما ينساقون وراء سياسات دول بعينها ومصالح خاصه بهم غير متناسقه مع مبادئهم عن الانسانيه والحريه وحق الشعوب في تقرير مصيرهم فضلا عن المجازر التي ترتكب يوميا بحق الشعب الفلسطيني الأعزل

 

وبناءً على المشاعر التي أجّجتها الحرب على غزة والحِراك التضامني وما أسفرت عنه نتائج الانتخابات في فرنسا وبريطانيا يمكن التعويل على تاريخ أوروبا الطويل في ترسيخ أواصر التعايش، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، وحتى المصالحة حيث يمكن لأوروبا ككُل أن تضطلع بدور مفيد في التحضير لمرحلة ما بعد الصراع حيث يُبدِ الاتحاد الأوروبي ودوله رغبة في الاستفادة من علاقاته الاقتصادية مع إسرائيل التي نمت إلى حدٍّ كبير في الأعوام الأخيرة في التأثير علي اسرائيل لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث يبقى الاتحاد الاوروبي الجهة المانحة الأكبر لفلسطين ولا شكّ أن أي اتفاق سياسي سيتطلّب استثمارات طائلة في إعادة الإعمار وفي بناء الأُسس الديمقراطية اللازمة لجعل الحلّ السياسي مستدامًا.

شاهد أيضاً