بعد مضي سبعة قرون على رحيل القائد الأعظم صلاح الدين الأيّوبي، صار عمر الولايات المتحدة الأمريكية قرنين من الزمان لا غير.
هاهي أمريكا اليوم تنتصب منفردة وكأنّها”المنقذ “العالمي، دون أن تنشد مغفرة من أحد.. وها هي قد أضحت قوّة، تُحتذى، تستثير نخوة الدول الكبرى كما كان الإغريق يستثيرون وسطاء الوحي من الكهنة.. وهاهي الرؤوس – هنا وهناك – تنحني لأوامرها مما يكسبها مكانة الأنبياء والمبشرين والحاملين وزر البشرية كلّها!
ونحن؟
ها نحن فوق الصفائح،في مركزية الصدع،نرتجّ ونشعر بأنّنا منزلقون،وخارج السيطرة والتحكّم، مستسلمون-لأقدارنا- ومهدّدون في ذات الآن.
ولكن..ما الذي يجبرنا على ترك الأمور تسير تائهة فوق بحر الظلمات، تسير هكذا، بالعمى الذي سارت به دائما!؟
أليس هذا ما سرنا إليه..؟!
من السؤال يتناسل السؤال والدّم يرث الدّم،وها هي الأشياء تنقلب رأسا على عقب.. ها هي أمريكا ترفع الغطاء عن الجميع.. وها نحن في قلب اللجّة..إلا أنّني لست متشائما حين أقول انّ مجموعة حقائق كانت متوارية في زحمة القضايا والأحداث الساخنة بدأت تتعرّى كي تعلن: ‘إنّ العرب والمسلمين-مطالبون-أكثر من أيّ وقت مضى بأن يتعلّموا كلّ شيء من جديد (!).. ليس حسن السلوك، بل حسن القبول والطاعة،إنطلاقا من إعادة النظر بالبرامج السياسية، مرورا بالسكوت عن الصراخ من الألم، ووصولا إلى تقديم الإعتذار للولايات المتحدة عن’الإرهاب والعنف والنكوص الحضاري الخارج من الشرق.. شرقنا المتوحّش’(!)..
والأخطر..
أن يأتي يوم نطالَب فيه جميعا بالتعويض لضحايا-كارثة مانهاتن-بقصد تحويلنا إلى مسؤولين عما جرى! بل إنّ الأخطر من ذلك كلّه أن يُطالَب الفلسطينيون بدورهم، بدفع ثمن الرصاص الإسرائيلي الذي حصد رقاب أطفالهم بإعتبارهم حملوا أجسادهم وضربوا بها الرّصاص الصهيوني الهاجع في الرشاشات.. كما أنّهم استفزوا الموت الغافي في الصواريخ والمدافع والقلوب الحاقدة.. !!
وماذا بعد؟
لقد أضحى الأمر جليا ولم يعد في حاجة لتوضيح وهو كما يبدو وحتى الآن،ليس إلا إعدادا لتغيير المنطقة وإعادتها إلى ما قبل مرحلة’سايكس – بيكو’فما تطلبه واشنطن كل يوم عبر التعليمات المتلفزة لا يختلف عن التعليمات والفرامنات السلطانية التي كانت تصدر عن الباب العالي.
والسؤال..
هل سنظلّ هكذا محاصرين بالدياجير والعمى والصّمت،نرنو بعيون الآسى إلى الدّم العراقي مراقا، وإلى الجنائز الفلسطينية وهي تسير خببا في إتجاه المدافن !؟
ألا نخجل من النحيب وحسب، بينما يخجل الفلسطيني وكذا العراقي من الإستسلام فيحوّلان مسيرة الحياة إلى نقمة لا يملكان فيها سوى الرّفض والصّبر والتحدي؟
وبسؤال مغاير أقول: ألسنا جميعا في قارب واحد قد يهوي إلى عمق اللجّة حيث لا شيء غير الموت وصرير الأسنان، لا سيما وأنّ ما نراه الآن.. وهنا قد لا يكون إلا قمّة جبل الثلج.. فما خفي أعظم!؟
وإذن؟
فلنصرخ، إذا، ليس الصراخ عيبا، وسوف لن يسمعنا أحد،إذ لا يجرؤ أحد على الإصغاء إلى صرختنا لئلا يُتَهَم بالخروج عن جدول أمريكا..
ولنصرخ ثانية،لا ليسمعنا أحد، بل لتوقظنا صرختنا مما نحن فيه.
ولنصرخ ثالثة كي ندرك بعد سبات عميق، أنّ مقارعة العدوّ دَيْن في أعناقنا وما علينا والحال هذه،إلا أن نقاوم الإحتلال بوسائل ملائمة لا تشوّه صورة حقّنا وحقيقتنا.
سأصارح:
إنّ أمريكا بإمكانها أن تحقّق ما تشاء طالما أنّها لا تتعامل إلا مع 22 ملكا ورئيسا.. وسواء أكان المقصود من خلال هذه السياسة’الإمبراطورية’ايجاد شرق أوسط بالمفهوم الإسرائيلي، أو إنتاج شرق أوسط يتلاءم مع الرغبة الأمريكية، فإنّ كل المؤشرات توحي بأنّ الكمّاشة الأمريكية ستلتفّ حول رقبة الجميع، مما يعني أنّ مصير النظام العربي وما يرتبط به من منظمات كالجامعة العربية ستبقى فاقدة لقيمتها، كسيحة وعاجزة بالتالي عن ممارسة أي تأثير ايجابي في المشهد السياسي العربي، غير أنّ الأخطر من كل ذلك هو تعرّض المنطقة برمتها إلى نوع من البلقنة قد ينتهي بها إلى تقسيم الدّول العربية إلى دويلات طائفية وعشائرية وإثنية، وهو ما تؤسّس له الإدارة الأمريكية في كواليس البيت الأبيض،وما تخطّط له حكومة-آكلة الموتى-في تل أبيب تحت جنح الظلام.
أقول هذا في الوقت الذي تتعالى فيه صيحات متطرّفة تسعى لتحويل منطقتنا،إلى ميدان حرب طويلة،تارة تحت عنوان حرب الإرهاب والتطرّف،وتارة تحت عنوان صراع الحضارات،وتارة تحت عنوان تدمير أسلحة الدمار الشامل ! ويسعى منظرو هذه الحرب لحشد العالم بأسره في جبهة واحدة ضد العرب والمسلمين.
هل نملك القيام بشيء إزاء كل هذه التحديات؟وهل بإمكاننا والحال هذه حشد الطاقات العربية بشكل بنّاء لمواجهة الأخطار القادمة لا سيما في بعض الإشراقات الخلابة للمشهد العربي؟
الجواب هذه المرّة ساطع كعين الشمس ولا يحتاج إلى إستخارة: إما أن نكون عربا دون زيف أو خداع أو أن نسير حفاة إلى قبورنا كي نتوارى خلف التراب..
هل بقي لديَّ ما أضيف!؟.. قطعا.