هل أشارت بوصلة الانتخابات البريطانية والفرنسية إلى غزة

فتحي أحمد
‏بالالتفات إلى الحقبة الاستعمارية نجد أن بريطانيا كانت المتسبب في واحدة من أعقد القضايا التي ما تزال تشغل العالم وتوتره؛ القضية الفلسطينية. وبدلا من محاولة التكفير عن جريمتها التاريخية التي ما تزال توقع ضحايا يوميا طوال أكثر من قرن، تواصل هذه الدولة سياساتها الاستعمارية.

كتب السياسي البريطاني البارز ونستون تشرشل رسالة في عشرينات القرن الماضي أشار فيها إلى أن الإمبراطورية البريطانية تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم. والآن، وبعد مرور أكثر من مئة عام على حديث تشرشل تثير توجهات مسلمي بريطانيا اهتمام مراقبين يسعون لمعرفة حجم تأثير تلك المجموعة من الناخبين على نتائج الانتخابات العامة المحددة التي جرت قبل أيام.

إن صعود اليسار في فرنسا وصعود الوسط في بريطانيا له دلالاته الداخلية والخارجية. الداخلية المتعلقة بالاقتصاد المهزوم، والخطر الروسي الذي بات يدق أبواب أوروبا بعد الحرب على أوكرانيا. ودونالد ترامب ما زال يصر في حملته الانتخابية على إنهاء الحرب في أوكرانيا، بحيث يكون جزء كبير تحت السيطرة الروسية، والآخر أوكراني بعد الإطاحة بفولوديمير زيلينسكي، هكذا هي خارطة الطريق لترامب في ما يتعلق بأوكرانيا ليحتوي روسيا ويواجه التنين الصيني.

شاهدنا وسمعنا عن جنوح الناخب في فرنسا وبريطانيا للوسط واليسار، كما حدث مؤخرا في فرنسا. بمعنى أن توجه الناخب في الدولتين لتغيير الحال القائم يدل على وعي الناخب الأوروبي وبالتحديد في فرنسا وأوروبا بشكل خاص.

المظاهرات التي خرجت في عواصم تلك الدول كانت إشارات توقعها الكثير من المحللين، وقالوا إنها ستنعكس على صندوق الاقتراع. وفعلا هذا ما جاء على لسان رئيسة الكتلة النيابية لحزب فرنسا الأبية ماتيلد بانو التي قالت “خلال الأسبوعين المقبلين سنعترف بدولة فلسطين”. كما كان لعلم فلسطين مكان يرفرف فيه في احتفالات اليسار الفرنسي.

من جانبه أكد وزير الخارجية البريطاني الجديد أنه يريد: العودة إلى موقف متوازن بشأن إسرائيل وغزة وهذا القتال يجب أن يتوقف.

يستشف من التصريحات تلك أن هناك تباينا في المواقف بين فرنسا وبريطانيا، فالموقف الجديد لفرنسا بعد فوز اليسار مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وثمة همة قوية وصوت قوي يخرج من باريس ينادي بوقف الحرب فورا، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قادم لا محال، أما الموقف البريطاني فما زال متذبذبا ودافع ذلك الإرث التاريخي لها وما قطعته على نفسها لحماية إسرائيل حتى تدق الساعة.

من ناحية أخرى، احتفظ زعيم حزب “العمال” السابق جيرمي كوربن الذي ترشح كمستقل، بمقعده الذي شغله منذ فترة طويلة في إيسلينغتون نورث بعد التغلّب على منافسه العمالي بأكثر من 7 آلاف صوت. ويُعرف كوربن بأنّه مؤيد لفلسطين منذ فترة طويلة، وشمل برنامجه الانتخابي المطالبة بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية. وقال كوربن إنّ الأشخاص الذين صوّتوا له “كانوا يبحثون عن حكومة تبحث على المسرح العالمي عن السلام وليس الحرب، ولن تسمح باستمرار الظروف الرهيبة في غزة في الوقت الحاضر”.

لا شك أن الشعب البريطاني، من خلال تصويته لحزب العمال وغيره من الممثلين المستقلين المؤيدين للفلسطينيين، لديه توقعات من الحكومة المقبلة، وعلى الرغم من أن حزب العمال يدعم إسرائيل، إلا أنه يدعم أيضًا حل الدولتين من أجل إرضاء طرفي الصراع، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف مؤخراً أن 29 في المئة من أفراد الجالية البنغالية والباكستانية كانوا يعتزمون التصويت لمرشحي حزب الخضر، و44 في المئة فقط لحزب العمال. وقام حزب الخضر اليساري بحملة مكثفة في عدة مناطق لدعم وقف إطلاق النار في غزة وتعليق مبيعات الأسلحة لإسرائيل. فالحملة الإسرائيلية الحاليّة في غزة قسمت الرأي العام البريطاني، وهو ما تجسد في المظاهرات التي طافت شوارع البلاد والاحتجاجات في عدد من الجامعات.

الخلاصة، لعل الفارق الأوضح بين الحزبين في بريطانيا هو أن حزب العمال كان أكثر صراحة حول حاجة المملكة المتحدة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من عملية السلام. واكتسب هذا الموقف زخما خاصا تحت قيادة جيرمي كوربن.‏ كما انتقد حزب العمال في الكثير من الأحيان سياسات إسرائيل، وخاصة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، معتبرا إياها غير قانونية بموجب القانون الدولي وعائقا رئيسيا أمام السلام.‏

ويشدد حزب العمال على أهمية دعم حقوق الإنسان والقانون الدولي في الصراع في فلسطين. ويشمل ذلك إدانة العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.‏ ويدعو الحزب إلى زيادة المساعدات الإنسانية للأراضي الفلسطينية، وخاصة غزة. ويدعو إلى إنهاء الحصار للتخفيف من الأزمة الإنسانية.‏ مع الفارق البسيط في توجه الحزبين حول القضية الفلسطينية.

ووفق ما نعرفه عن بريطانيا وتاريخها، لا يوجد هناك تغير كبير في موقف بريطانيا من القضية الفلسطينية، فإسرائيل خرجت من رحم بريطانيا وترعرعت في أحضانها، ومن الصعب أن تتخلى الأم التي حملت وربت عن أطفالها، لكن ما يعوّل عليه هو موقف الشعوب وهذا ما شاهدناه في عواصم أوروبا.

أخيرا، وجدنا في المخاض الانتخابي في بريطانيا وفرنسا أن العالم بات يعرف تماما الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني منذ سبعة عقود ونيف. ورغم ترنح حكوماتهم يكفي أن القضية الفلسطينية باتت واضحة المعالم. لهذا سقطت مقولة الأديب السوري محمد الماغوط وهي: “أصبح البشر كصناديق البريد المقفلة، متجاورين ولكن لا أحد يعرف ما في داخل الآخر”.

شاهد أيضاً