في الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا الفلسطيني لمحرقة بشعة في قطاع غزّة، محرقة تأكل الأخضر واليابس وتقتل كل شيء ينبض بالحياة من البشر وحتى الشجر والعصافير، تجد حركة حماس المبررات اللازمة لتمارس هوايتها المفضلة في تكميم الأفواه والقمع والتنكيل وتكسير الأطراف، كما فعلت مع الناشط أمين العابد.
فعلت حماس ما فعلته لتخرس صوت أمين العابد، صوت الحق وصوت الحياة وصوت الإنسانية وإغاثة اللاجئين ومساعدة المحتاجين، ولكن اسم أمين العابد وصورته وهو محطم الأطراف كنسرٍ كسير، تتصدر اليوم كل محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.
تتصرف حماس بطريقة تؤكد المؤكد، بأنها حركة منفصلة عن الواقع، تعيش في كوكب آخر، وكأن ما يحدث من مجازر يومية لا يعنيها، فمن لم يقم الاحتلال بتكسير أطرافه والتسبب له بالألم والمعاناة، فحماس تقوم بذلك بكل بساطة وصلف. والتهم مسبقة الصنع التي تملك حماس ووسائل إعلامها الكثير منها، جاهزة لتبرير هذه الوحشية غير المبررة.
نظرت بعض المحطات التلفزيونية ممن تعتمد على ذات التمويل إلى تكسير أطراف أمين العابد بعين عوراء، كما نظرت إلى حادثة تكسير عظام الحاجة المناضلة الملقبّة بـ”أم الأسرى” أم جبر وشاح (81 عاما)، حين اعتدى أمن حماس عليها وعلى ابنتها ظلما وعدوانا في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
وقد أصدر نادي الأسير الفلسطيني بيانا منددا بتاريخ 18يونيو 2020، قال فيه: إن آثار الاعتداء الهمجي على أم جبر وشاح يمكن أن يقوم به فقط من تجرد من إنسانيته ووطنيته مهما كانت الأسباب والمبررات، التي يحاول البعض تسويقها في تبرير هذا الاعتداء الهمجي تحت ذريعة تنفيذ القانون.
والجدير بالذكر أنّ هذه المحطات، لا ترى في الميدان إلا كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وبدرجة أقل سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، وكأنه لا وجود لكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح ولا وجود لكتائب الشهيد عمر القاسم الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية، وهما يسطّران بطولات خالدة في سِفر التضحيات، ويقومان بعمليات عسكرية نوعية ضد قوات الاحتلال.
لم تعتد هذه القنوات العربية وبعض صحافييها على ذكر الخبر الفلسطيني كاملا، وأنا هنا كتبت متعمدا لم تعتد لأنه من الواضح أن ذلك من سياساتها المعتمدة والمتعمدة أيضا، فإذا عدنا إلى الشريط الإخباري أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي فجّرها شعب الجبارين لوجدنا أن أيّ فصيل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية عندما كان يقوم بفعل عسكري ردا على جرائم الاحتلال تكتب على سبيل المثال: “مقاومون فلسطينيون يستهدفون جيبا عسكريا للاحتلال”، وفي اتجاه آخر إذا قامت حركة حماس بنفس الفعل تكتب: “كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس تستهدف جيبا عسكريا للاحتلال”.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، لم تنبس هذه المحطات ببنت شفه عندما قُتِل الدّاعية الشيخ محمّد الصوفي في سجون حماس خلال شهر رمضان المبارك في العام الماضي، حيث اعتقلته شرطة الأمر الواقع في غزة فور عودته من مصر وجرى تعذيبه بسبب انتقاده لسياسات حماس التدميرية في القطاع ولقيامه بانتقاد إيران في آخر خطبه في يوم الجمعة، وقد تعرض الشيخ المقرئ في سجن حماس في رفح لتعذيب شديد بسبب مواقفه السياسية، رغم صراخه المتكرر وإخبارهم بأنه مريض حسب تصريحات ابنه لوسائل الإعلام المحلية ولكنهم لم يكترثوا للشّيخ المُقرئ ولا لمرضه، وكانت النتيجة وللأسف أنه فارق حياته في وقفة عيد الفطر السّعيد في آخر يوم من شهر رمضان المبارك، إذن نحن أمام جريمة سياسية خطيرة صمتت عنها تلك المحطات وبرامجها صمت القبور ولم تتطرق لها نهائيا، واختارت أن تغض الطرف عن جريمة سياسية كاملة الأركان. أخي القارئ، هبْ لو أن هذه الجريمة السياسية حدثت في مناطق سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية “نزار بنات”، ما هو رد فعل تلك المحطات وصحافييها حينذاك؟
التفسير الوحيد لممارسة حماس التعذيب والتنكيل وتكسير الأطراف لمن يتجرأ على انتقادها هو شعورها بالنقص ومحاولة يائسة وبائسة منها للظهور بمظهر المتحكم بكل شيء في قطاع غزّة وكأن مغامرتها الأخيرة لم تؤثر فيها شيئا، فحكم حماس قائم رغما عن أنف الشّعب الفلسطيني الكسير.