قد لا يكون الرجل الأقوى في اسرائيل. لكنه حتماً الرجل الأقوى في أميركا. حين يلقي بكلمته في الكونغرس، سيظهر للعالم انه، في أميركا، أكثر قوة من أي رئيس أميركي. الأعضاء يصغون اليه كونه يوحنا فم الذهب، لا الديناصور الذي يتقيأ الدم.
في المرات الثلاث السابقة صفقوا له أكثر مما صفقوا لونستون تشرشل، الخارج للتو من الحرب العالمية الثانية. قد نراه، في ذلك “الهيكل المقدس”، وهو يشرب نخب سقوط جو بايدن، بالضربة اليهودية القاضية.
انه الكاوبوي اليهودي الذي يقضي على كل أعدائه. غريب أمر هؤلاء الأميركيين الذين يهتزون لمنظر رجال الشرطة وهم ينهالون بالعصي على المتظاهرين في رواندا، ولا يكترثون لآلاف الجثث التي تتبعثر في الطرقات، أو تحت الأنقاض، في غزة، ما دام القتلة يتحدرون من أسنان يهوذا.
الغريب أكثر أن رجال الكابيتول الذين يفترض أن يكونوا كهنة الدستور الذي قيل أنه من صنع الأنبياء، ليبدو وقد وضع بين يدي الشيطان، لا يدركون الى أين يمكن أن تصل القوة الهوجاء، القوة العمياء، بالدولة العبرية. ليتذكروا، على الأقل، ما كان مصير هتلر، وما كان مصير هولاكو.
ها هي الولايات المتحدة، كأعظم أمبراطورية في التاريخ، تخرج على عربة الموتى من الهند الصينية، ثم تخرج، على عكاز خشبي من أفغانستان. متى كان للتاريخ أن يمشي في خط مستقيم، ولم يبدأ، في لحظة ما، في الانحدار. ها أن شلومو ساند، المؤرخ وصاحب “اختراع الشعب اليهودي”. يخشى أن تكون الجثث، بالعيون النارية، على أرض غزة، قد “فتحت أمامنا أبواب الجحيم”.
اسرائيل، كنتاج توراتي، قامت بالدم، وتبقى بالدم (وتموت بالدم). حتى متى تستطيع أن تجرّ أميركا وراءها؟ حين رفض جو بايدن السقوط في مستنقعات الشرق الأوسط، انتقل الرهان الى دونالد ترامب الذي أضفى عليه منسق الشؤون العربية في حملته مسعود بولس مواصفات الأنبياء الذين “ظنت” السماء، ربما بخطأ تقني، أنهم ينشرون السلام في الأرض.
لا عدو للمرشح الجمهوري سوى أعداء اسرائيل. ليس كيم جونغ ـ أون الذي يقف، بقنابله النووية، على أبواب لوس أنجلس وسان فرنسيسكو، ولا فلاديمير بوتين الذي قد يزيل أي أثر لأميركا في القارة العجوز، ولا شي جين بينغ الذي يحاول، بأظلاف التنين، خلع “العم سام” عن عرشه.
اذاً، علينا أن نتوقع عودة ميمونة لصهره جاريد كوشنر الذي يرى “أننا قد نخسر الشرق الأوسط اذا ما تركنا آيات الله ماضين في تشغيل أدواتهم في المنطقة. هي تدفع المال وهم يدفعون الدم في معارك دونكيشوتية يفترض بالادارة أن تضع حداً لها”.
كم يلعب القدر لمصلحة دونالد ترامب. لاحظنا كيف كبا بايدن، كما يكبو الحصان في منتصف السباق، لنرى كيف يتعامل ترامب، بازدراء، مع محاولة كمالا هاريس الدخول الى البيت الأبيض، فقط كامرأة، ما يجعل السناتور اليزابت وارن تتحدث عن رجل يضج ماضيه بالعاهرات. “فوكس نيوز” تزف الينا البشرى بالرجل الذي ينتظره العالم ليغيّر… العالم”.
قد نكون ضد استخدام الايديولوجيا ـ الايديولوجيا الدينية ـ لأغراض سياسية. ولكن حين يدق المغول الجدد على أبوابنا. ترانا نمضي، بعباءاتنا، في الاختباء، كالعادة، وراء الراقصات والغواني؟
حين يتوج بنيامين نتنياهو، وفي الكونغرس، ملكاً على أميركا، يفترض أن ننزل الى الخنادق لا الى الملاجئ. ولكن… انها، أيها السادة، الـ”ولكن” القاتلة!!
بطبيعة الحال، غيوم كثيرة تتلبد في الأفق. الشرق الأوسط يبدو وكأنه أمام أيام مكفهرة ما دمنا، بتشكيلاتنا القبلية، والطائفية، الحجارة على رقعة الشطرنج.