السياسي – يعد كتاب قيس فرو “الدروز في زمن الغفلة: من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية” مرجعًا مهمًا لفهم التحولات في مواقف الدروز داخل الأراضي المحتلة. ومع ذلك، لا ينطبق هذا التوصيف على العديد من الدروز، خاصة دروز الجولان السوري المحتل، الذين حافظوا على هويتهم وانتمائهم السوري، رافضين الضغوط الإسرائيلية للاندماج.
بالأمس تم سقوط الصاروخ على مجدل شمس في الجولان المحتل حيث أودى بحياة 10 أشخاص، بينهم أطفال. اعتبر ذلك الحدث الأبرز على الجبهة الشمالية منذ عدة شهور. في الواقع ، استغلّت إسرائيل هذا الحدث على عدة أشكال منها:
1 ـ التصريحات الرسمية والإعلامية:
سارعت إسرائيل إلى التعبير عن تضامنها مع الضحايا من خلال التغريدات والتصريحات الرسمية الصادرة عن كبار المسؤولين في الحكومة والجيش. تمثل هذه التصريحات جزءًا من استراتيجية علاقات عامة تهدف إلى تعزيز صورة إسرائيل كدولة متعاطفة مع الأقليات، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل الجولان.
تضمنت الرسائل الإعلامية تعبيرات عن الحزن والأسى على الضحايا، مع تأكيد على “الالتزام بحماية جميع المواطنين” بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الدينية. تم توجيه هذه الرسائل إلى المجتمع الدولي والرأي العام المحلي بهدف كسب التعاطف وتبرير أي إجراءات مستقبلية.
2 ـ الدعوات إلى ضرب حزب الله:
استخدم الحدث كمبرر لتعزيز الدعوات لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد حزب الله، حيث ألقى المراسلون العسكريون والمحللون السياسيون اللوم على الحزب دون تقديم أدلة قاطعة. وقد أدى ذلك إلى زيادة الدعوات في وسائل الإعلام وفي أوساط صنع القرار لتبني استراتيجيات أمنية أكثر تشددًا تجاه التهديدات على الحدود الشمالية.
سلط المحللون الضوء على الخطر الذي يشكله حزب الله على أمن إسرائيل، مستغلين الحادثة لتصوير الحزب كتهديد مباشر ومتعمد للمدنيين، مما يبرر اتخاذ إجراءات عسكرية. كما دعت بعض الأوساط السياسية إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد مواقع حزب الله ولبنان، مدعية أن الرد الحازم ضروري لردع أي هجمات مستقبلية.
3 ـ زيارات رفيعة المستوى لمجدل شمس:
شهدت مجدل شمس زيارات من مسؤولين عسكريين وسياسيين رفيعي المستوى كجزء من جهود إسرائيل لإظهار التعاطف والدعم ـ من أبرزهم رئيس هيئة الأركان الجيش “هارتسي هاليفي” ـ ولتعزيز العلاقات مع المجتمع الدرزي في الجولان.
خلال هذه الزيارات، محاولة اسرائيلية لإيهام أن الدولة لكل مواطنيها، في محاولة لتهدئة الأجواء المتوترة واحتواء أي اضطرابات قد تحدث في أوساط الدروز. كما تهدف هذه الزيارات أيضًا إلى كسب دعم المجتمع الدرزي المحلي، وإظهار أن الحكومة الإسرائيلية تولي أهمية خاصة لأمنهم، سعيًا لدمجهم بشكل أكبر في المجتمع الإسرائيلي.
4 ـ نشر صور الأشلاء في الإعلام:
استغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية صور الحدث في حملاتها الدعائية العالمية “الهسبرا”، مسلطة الضوء على معاناة المدنيين كجزء من استراتيجيتها الإعلامية لتعزيز موقفها السياسي.
نشر الصور الصادمة لضحايا القصف والأضرار البالغة في المناطق السكنية على نطاق واسع، بهدف إثارة مشاعر التعاطف والغضب لدى الجمهور المحلي والدولي، مع العلم أن هذا لا يمكن أن يجري لو كان الحدث في تل أبيب مثلًا، وفق قوانين الرقابة العسكرية.
اضافة الى ذلك، استخدمت هذه الصور كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى كسب التأييد الدولي لإسرائيل، وتصويرها كضحية للعدوان، مما يبرر أي ردود فعل عسكرية قد تتخذها.
5 ـ عناوين الصحف الرئيسية
تصدرت صور الكارثة الصفحات الأولى للصحف الإسرائيلية، مما يعكس تنسيقًا إعلاميًا موحدًا لتوجيه الرأي العام نحو دعم الإجراءات الحكومية.
عملت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل منسق لعرض الحدث بأسلوب موحد، حيث تم استخدام نفس الصور والعناوين لجذب انتباه القراء وتوجيه رسائل واضحة حول موقف إسرائيل من الحادثة.
بشكل عام، تساعد التغطية الإعلامية المكثفة في تشكيل الرأي العام المحلي، مما عزز من دعم السياسات الحكومية تجاه حزب الله والتهديدات الأمنية.
في المقابل، خلال مؤتمر صحفي للناطق باسم جيش الاحتلال، وصف القتلى بأنهم “مواطنون إسرائيليون من الطائفة الدرزية”. لكن حادثة غير مقصودة كشفت عن الفجوة بين الرواية الإسرائيلية والواقع، حيث نسيت قناة 12 العبرية المايكروفون مفتوحًا في الاستوديو، وسمع أحد المحللين يقول: “إنهم ليسوا مواطنين إسرائيليين”. هذا التصريح العفوي سلط الضوء على التباين في الرؤى والمواقف حول الهوية والانتماء لسكان الجولان من الطائفة الدرزية.
رغم الجهل الذي يحيط بدروز الجولان من قِبَل بعض الفلسطينيين، إلا أن موقفهم واضح وصريح. منذ عام 1982، أثبت دروز الجولان تمسكهم بهويتهم السورية. في ذلك العام، أصدر أهالي الجولان من قرية مجدل شمس “الوثيقة الوطنية”، التي أكدت انتماء الجولان وسكانه لسوريا ورفض فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم. تبع ذلك إعلان الإضراب الشامل والمفتوح الذي استمر لأكثر من 6 أشهر، والذي شمل إعادة الجنود الإسرائيليين الهويات الإسرائيلية التي أرسلوها إلى منازل السكان، بل وحتى حرقها تأكيدًا على هويتهم السورية ورفضًا لقرار ضم الجولان وتطبيق الحكم المدني الإسرائيلي فيه.
يرفض دروز الجولان التجنيد في الجيش الإسرائيلي والهوية الإسرائيلية، متمسكين بوضعهم القانوني كمقيمين غير مجنسين، يشبهون بذلك وضع المقدسيين قانونيًا أكثر من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. يعيشون تحت الاحتلال لكنهم يحتفظون بثقافتهم وتراثهم السوري. العديد منهم يعتبرون أنفسهم أسرى ومعتقلين في ظل الاحتلال، ويواصلون نضالهم ضد السياسات الإسرائيلية التي تهدد هويتهم وأراضيهم.
من أبرز مظاهر نضالهم الأخيرة كان رفضهم لمشاريع التوربينات الإسرائيلية التي تهدف إلى مصادرة أراضيهم الزراعية. موقفهم هذا يختلف عن موقف الطائفة الدرزية في إسرائيل، التي تتبنى موقفًا مغايرًا في الغالب.
من الناحية الميدانية، رغم أن هناك احتمالية لوجود خطأ في إطلاق الصاروخ، أو تقارير تشير إلى أن حزب الله نفى مسؤوليته، إلا أن رد إسرائيل يبدو حتميًا. استغلت إسرائيل الحدث لتعزيز موقفها السياسي والإعلامي على الصعيد العالمي، مستخدمة صور الدمار في حملتها الدعائية ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية.
من غير المرجح أن يؤدي هذا الحدث إلى حرب شاملة، إلا أن احتمال حدوث تصعيد عسكري واسع مع لبنان يبقى واردًا. فمن الممكن أن توسع إسرائيل استهدافها القرى، وتركز على البنية التحتية كما جرى في اليمن مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الجغرافي وسرعة الرد. على كل الأحوال تتجه الأنظار نحو رد الفعل الإسرائيلي المتوقع، وسط التصعيد القائم منذ 7 أكتوبر في المنطقة.
تعتبر حادثة سقوط الصاروخ على مجدل شمس نقطة تحول في الحرب الدائرة رحاها اليوم، حيث تلقي الضوء على التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة. تسعى إسرائيل لاستغلال الحادثة لتعزيز مواقفها السياسية على الصعيد الداخلي والعلاقات الأمنية مع حزب الله، لكن هذا التصعيد يكشف أيضًا عن صمود دروز الجولان ورفضهم لاستبدال المحراث بالبندقية، متمسكين بهويتهم السورية في وجه التحديات والضغوط.