سيناريوهات اليوم التالي للحرب

د. دلال صائب عريقات

البعض لا يريد الحديث عن “اليوم التالي”، والبعض الآخر لا يريد سماع كلمة اليوم التالي، فالجميع يريد وقف إطلاق النار، ووقف القهر والظلم الذي يعاني منه أهل قطاع غزة النازحون المحرومون من مقومات الحياة، بعد عشرة أشهر من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. ومع ارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين لـ40 ألفاً، وإحداث دمار شامل في البنية التحتية والإنسانية في قطاع غزة، ضروري أن يتبنى الجميع مطلب وقف اطلاق النار، ومطلوب أن يتم وضع الخطط الفلسطينية، ويبدأ الترتيب والتفكير لليوم التالي، وعدم تضييع أي وقت.
الحقيقة التي يجب أن نقف أمامها أن مجموعة الـ”7″، إضافة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والإدارة الأمريكية، الكل يدعو لوقف إطلاق النار، والعمل ضمن تصور شامل، فلسطيني وإقليمي، بحيث يضمن تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة. هناك تفاصيل كثيرة مما يدعو للتشتت والمهم أن الاتفاق أصبح أقرب للحقيقة.
نتنياهو يواجه ضغطاً داخلياً غير مسبوق من الرأي العام الإسرائيلي الذي يطالب بالتوصل لصفقة لإطلاق سراح الرهائن. توجه نتنياهو لأمريكا وتحدث أمام الكونغرس، دون أن يكون قد احتكم لآراء الحلفاء الذين يدعمونه من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، وكانوا قد عبّروا صراحة عن احترامهم للمحاكم الدولية، وفيما إذا خرجت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغيره.
السيناريوهات المطروحة عديدة، منها:
السيناريو الأول: بقاء حماس في حكم غزة، وهذا سيناريو صعب التطبيق، حيث تواجهه تحديات وطنية وإقليمية وإسرائيلية.
إضافة إلى أن الطرف الإسرائيلي لن يسمح أيضاً بهذا السيناريو بشكل خطر على الوحدة الفلسطينية وفكرة الدولة الفلسطينية الواحدة، وأن يكون قطاع غزة بالكامل جزءاً مكملاً للدولة الفلسطينية.
السيناريو الثاني: تشكيل مجلس إداري انتقالي فلسطيني من الخبراء، بقيادة وطنية موحدة قد تكون حماس جزءاً منها، أو يمكن أن تقبل حماس بعدم التدخل تحت الضغوط الخارجية، مقابل بقائها في القطاع، وإذا حققت هدف خروج جيش الاحتلال من غزة. هذا المجلس يمكن أن تسانده قوات أمن إقليمية ودولية، بالتشاور مع الجهة الرسمية الفلسطينية.
السيناريو الثالث: تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية فلسطينية، بقيادة وطنية موحدة. هذا سيناريو واقعي وقابل للتطبيق إذا خرجت حماس بعد 7 أكتوبر أكثر براغماتية من ذي قبل، وإذا أخذنا اتفاق الصين بعين الاعتبار، فمن الممكن جداً أن يتم تشكيل هذا المجلس، أو الحكومة بناء على توافق وطني وحوار شامل، لا يستثني أحداً. هنا تشارك كل الفصائل في عملية الاختيار، وليس بالضرورة اختيار ممثلين منتمين للحزب. هنا تكون حماس وغيرها من الفصائل قد ضمنت كونها جزءاً أساسياً من الحياة السياسية، دون أن تكون جزءاً من الحكومة، وهذا ما سيضمن تعامل العالم أجمع مع هذه الحكومة، لتجنب تجارب السابق وضمان حكم القطاع بشكل وطني مسؤول، لتقديم الدعم الإنساني اللوجستي اللازم، إضافة للتحضير للانتخابات.
السيناريو الرابع: استمرار الهجمات المتفرقة واستدامة الحرب، أي تجسيد الاحتلال العسكري، وفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا سيناريو خطير جداً لا يصبّ في المصلحة الوطنية الفلسطينية، كما أن المجتمع الدولي، ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية، رفض وبوضوح تواجد الجيش الإسرائيلي، أو إعادة احتلال غزة.
بالنسبة لمفاوضات وقف إطلاق النار، هذه المفاوضات يجب أن تصل لانفراجة، ويجب أن تلعب منظمة التحرير دورها الطبيعي، بفرض طبيعتها التمثيلية في عملية المفاوضات. الوضع الإنساني الكارثي بات لا يُحتمل، وحتى تخيل التعامل مع الوضع الإنساني أصبح شبه مستحيل. الحديث مرفوض عن إعادة إعمار شبيهة بالتجارب السابقة. السلام الاقتصادي وخطط مارشال مرفوضة، والتعامل من خلال ملف إنساني بحت مرفوض أيضاً. لقد واجه القطاع أربع حروب سابقة، والآن الخامسة المدمرة التي أبادت الشجر والبشر، وكل ما هو إنساني، وبالتالي الوضع بحاجة ماسة لتصور إقليمي، يضمن الحق الفلسطيني الموحد والشامل والرسمي بوجود آليات عملية لضمان استمرار التسوية والتزام الأطراف.
هناك تطورات قانونية مهمة منذ بداية العام. في محكمة العدل الدولية، إسرائيل تواجه قضية تورطها بجريمة إبادة في غزة، ونتنياهو وقيادات الحرب يواجهون حقيقة مذكرات الاعتقال في المحكمة الجنائية الدولية، ومع صدور الرأي الاستشاري عن ماهية الاحتلال وتداعياته القانونية في الأراضي المحتلة، أصبحت إسرائيل دولة محتلة، تمارس الأبارتهايد والعنصرية، ويتوجب إنهاء الاحتلال، وتفكيك المستوطنات كما جاء قانونياً، وهذا وضع التزاماً على إسرائيل وكافة الدول الأعضاء في المنظومة الدولية. يجب البناء على هذه التطورات والاستثمار فيها بكل الطاقات والأدوات، ولكنها لا تعني أن لا نفكر في اليوم التالي. لا نريد مَن يفكر لنا أو مَن يطرح الحلول والسيناريوهات من الخارج فيما يخص إدارة القطاع.
تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية فلسطينية، بقيادة وطنية موحدة، هذا سيناريو واقعي وقابل للتطبيق إذا خرجت حماس بعد 7 أكتوبر أكثر براغماتية من ذي قبل، وإذا أخذنا اتفاق الصين بعين الاعتبار.

شاهد أيضاً