منظمة التحرير الفلسطينية والتخطيط الوطني

مجدي أبو زيد

قبل أيام، دعيت لحضور جلسة نظمتها دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، لإطلاق ورشة عمل إعداد استراتيجية للدائرة، قيل أنها تتم لأول مرة. لم أتردد لحظة واحدة، وقد فوجئت أن القاعة تضج بعدد كبير من الباحثين والخبراء من خلفيات متنوعة؛ استمرت المداخلات والنقاشات والمقترحات بجدية وحماس حتى بعد انتهاء الوقت المقرر.
دفعني هذا الأمر إلى التفكير في عمليات التخطيط الوطني، وبدأت بمراجعة آليات وتفاصيل هذه العمليات والأدوار المختلفة للأطراف المعنية. تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية بقرار من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) في عام 1994، وهي المسؤولة عن توجيهها وإدارة شؤونها، على الأقل قانونياً ونظرياً. ومع التحديات المتزايدة التي تواجه فلسطين، سواء في الأراضي المحتلة أو بين أفراد الجالية الفلسطينية في الشتات؛ هناك حاجة ملحة لنظام تخطيط مركزي لتعزيز التنسيق والكفاءة في تحقيق الأهداف الوطنية. وربما يكون هذا النظام مدخلاً لإستنهاض الهمم وإصلاح منظمة التحرير.
على مدى أكثر من عشرين عاماً، التزمت الحكومة الفلسطينية بإعداد استراتيجيات قطاعية وعبر قطاعية، وبذلت جهوداً حثيثة لتطبيق موازنة البرامج. غير أن عملية التخطيط الأخيرة التي بدأت في نهاية عام 2022، وكان من المفترض أن تنتهي بنهاية عام 2024، لتغطّي الفترة من 2024-2029، تعرضت لانتكاسة جمدتها مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وربما رأت الحكومة الفلسطينية في ذلك فرصة، قد تكون سانحة بعد انتهاء الحرب، لاستعادة الوحدة الوطنية وإدماج غزة واحتياجاتها في عمليات التخطيط الوطنية.
بعد أعوامٍ من التخطيط، استخلصت الحكومة الدروس والعبر من إعداد الاستراتيجيات القطاعية وعبر القطاعية، وانتهت إلى تبني منهجية التخطيط الوطني ودليل إعداد الاستراتيجيات بمنهجية وتوجه جديد.
هذا أدى إلى صياغة استراتيجيات “مؤسساتية” وليست “قطاعية”، باستثناء أربع استراتيجيات عبر قطاعية. لسنا بصدد تقييم سبب حدوث ذلك، وما إذا كان جيداً أو يعتبر تراجعاً، ولكن من الواضح أن هناك مشكلة حقيقية في التنسيق القطاعي، والالتزام بالتنفيذ، وفي المتابعة والتقييم. الأهم من ذلك، هناك جهود وقدرات كبيرة مهدورة وغير مستغلة، ولا تخضع للمساءلة، مثل جهود القطاع الخاص والمجتمع المدني. هذا الأمر دفع المؤسسات والوزارات إلى المطالبة -وبإلحاح- من أجل إعداد استراتيجيات خاصة بها، تحت مسؤولياتها الكاملة، بدلاً من الاستراتيجيات الوطنية أو القطاعية التي قد تساءل عليها في الوقت التي لا تتحكم بجميع مدخلاتها ومخرجاتها.
والسؤال هنا، من الذي يُخطط لشعب تحت الاحتلال، منقسم، ويعيش نصفه تقريبا في الشتات؟ هل هي الحكومة في الضفة الغربية فقط؟ في رأيي، هذه مسؤولية وطنية كبرى. استغلال طاقات وإمكانيات الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، مع التركيز على خصوصيات كل منطقة، وتوجيه هذه الطاقات والإمكانيات؛ هي مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية وليس غيرها، بغض النظر عن الجدل حول المنظمة وإصلاحها وإمكانياتها.
يهدف هذا المقترح إلى إنشاء إطار تخطيط مركزي يبدأ من منظمة التحرير الفلسطينية ويشمل جميع القطاعات والدوائر، مع التركيز على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم إهمال الفلسطينيين في الشتات. يمتد هذا التخطيط على مدى خمس سنوات، حيث تبدأ العملية بإطلاق ورشة مكثفة لتحديد الأولويات الوطنية من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية. تقوم كل دائرة داخل المنظمة بتحديد أولوياتها واستراتيجياتها بما يتماشى مع الأولويات الوطنية، ويتم توجيه هذه العملية من خلال نظام تخطيط مركزي معتمد من اللجنة التنفيذية للمنظمة. من المهم أيضاً اعتماد دليل شامل بإعداد الاستراتيجيات الوطنية لضمان التناسق والانسجام مع أهداف وأولويات منظمة التحرير الفلسطينية، موضحاً الخطوات المنهجية والمعايير اللازمة لتقييم التقدم المحرز، ونقاط المسؤولية والمساءلة.
بعد ذلك، يأتي دور الحكومة الفلسطينية لقيادة عمليات التخطيط الوطني للوزارات والمؤسسات غير الوزارية، حيث تقوم بترجمة الأولويات المحددة إلى خطط وسياسات قابلة للتنفيذ. ويفترض هنا التنسيق والتعاون مع مختلف القطاعات، بما في ذلك المجتمع المدني والقطاع الخاص، لضمان حصر وتجميع الطاقات والامكانيات، وبما يصب في تحقيق الأهداف الوطنية الجماعية.
يهدف هذا النهج المقترح إلى خلق إطار تخطيط موحد، ينسق جهود منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية، ويسعى إلى تعظيم التدخلات وتوجيهها لمعالجة القضايا والأولويات الخاصة في الأراضي المحتلة، ودعم الفلسطينيين في الشتات. وفي هذا السياق، يمكن أن توفر دراسة الجهود الوطنية للتخطيط في فلسطين ودول أخرى، مثل جنوب إفريقيا بعد إنهيار نظام الفصل العنصري وغيرها من التجارب في سياقات ما بعد النزاعات، رؤى قيمة، تراعي الخصوصية، والإمكانيات الواقعية، ولا تدير ظهرها للظروف الموضوعية، وكأنها تعمل في بيئة طبيعية لدولة ذات سيادة.
ومن جهة أخرى، سيعزز إطار التخطيط المركزي المقترح من دور منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة مسؤولة عن الشعب الفلسطيني، ويوفر خارطة طريق واضحة لتحقيق الأهداف الوطنية، وتحسين حياة الفلسطينيين، وتعزيز صمودهم، والاستثمار الأمثل للطاقات والإمكانيات، سواء في الأراضي المحتلة أو في الشتات. ومن المهم الانتباه إلى أن هذه الفرصة، لتنفيذ المقترح، قد لا تتكرر إلا بعد 5 سنوات، ومن المهم استغلالها فوراً، وقبل أن تقرر الحكومة استئناف عمليات التخطيط الوطني “التي تم تجميدها” للأعوام الخمس المقبلة.
يهدف هذا المقترح إلى إنشاء إطار تخطيط مركزي يبدأ من منظمة التحرير الفلسطينية ويشمل جميع القطاعات والدوائر، مع التركيز على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم إهمال الفلسطينيين في الشتات.

شاهد أيضاً