إذا طلب راكب من سائق أجرة إيصاله إلى الغرب، ووجد أن السيارة تتجه إلى الشرق، سينهي الرحلة، وإلا فلا وصف يناسب الراكب سوى الحماقة.
قامت حركة “حماس” بعملية السابع من أكتوبر لتحقيق هدفين – إذا تجاهلنا أنها فعلت ذلك بأمر إيراني وفق تصريح معلن للمرشد الإيراني خامنئي -: الأول هو وقف مسار السلام العربي – الإسرائيلي. والثاني هو تحرير الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ولقد فشلت الحركة في تحقيق الهدفين، والأسوأ من ذلك، أن إسرائيل ضاعفت عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين لديها.
في الثامن من أكتوبر، انضمت ميليشيا “حزب الله” إلى الحرب من لبنان، بهدف مساندة غزة وإشغال إسرائيل أو إنهاكها، وفشل الحزب في ذلك فشلاً ذريعاً، والحديث عن النجاح في تحقيق هذه الأهداف بعد تدمير إسرائيل لقطاع غزة ومساحات واضحة من الجنوب اللبناني، والسيطرة على محور فيلادلفيا، حديث يخلو من كل وجاهة ومنطق.
والحقيقة، إن النتائج على الأرض أكثر من مروعة، في غزة مثلاً، في آخر تقديرات هناك نحو 88 ألف فلسطيني مصاب ونحو 40 ألف شهيد، وكل ذلك مقابل نحو 1400 قتيل إسرائيلي و7000 مصاب.
وفي لبنان، سقط من “حزب الله” نحو 387 عنصراً من ضمنهم قادة عسكريون في مراتب عليا، واستشهد أكثر من 100 مدني، ولديهم أكثر من 2000 مصاب من المدنيين وغيرهم، وكل ذلك مقابل نحو 23 قتيلاً إسرائيلياً وإصابات لا تذكر.
الحديث عن الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية بلا معنى، لأن تعويضها من الولايات المتحدة ومن الاتحاد الأوروبي سيكون بلا قيد ولا شرط ولا حد.
الخسائر الاقتصادية في لبنان، التي تقدر بـ 10 مليارات دولار بشكل مباشر وغير مباشر وفق تصريح لوزير الاقتصاد اللبناني، لا تلحظ أن لبنان بلد منكوب مالياً واقتصادياً قبل الحرب، وسيصعب على لبنان تعويض خسائره لجملة أسباب، منها أن ميليشيا “حزب الله” أفسدت علاقات لبنان العربية والدولية وعزلته عن العالم، فضلاً عن فشل الحزب وحلفائه في إدارة الدولة، وتعطيل الانتظام العام وعمل المؤسسات، إضافة إلى الفراغات الرئاسية والحكومية. أما الخسائر الاقتصادية في غزة فقد دمرت كل الاقتصاد، وسيصعب تعويضها بسبب وجود حركة “حماس”.
لغة الأرقام لا تكذب، وهذه أرقام لا يمكن تفسيرها بغير هزيمة ساحقة وكاملة للميليشيات المتأيرنة في لبنان وفي غزة، ولا يحق لقادة هذه الميليشيات الحديث عن أي انتصار بعد وقف إطلاق النار. ومطالبتها بمكاسب سياسية داخلية بعد الحرب، ستكون محل سخرية محلية وإقليمية ودولية، فالخاسر يتنازل ولا يكسب ولا يحكم.
واللافت أن هذه الأرقام الفادحة تحققت في ظرف لم يصل إلى الحرب الشاملة، فضلاً عن أن الخرق الأمني والاستخباراتي في دول محور الممانعة وفصائلها فاضح، وكل ذلك يدل على أن محور الممانعة لا يستقوي إلا على المدنيين العزل من العرب والسنة، أما أمام إسرائيل فهناك “ضبط النفس” و”قواعد الاشتباك”، وردود الفعل الرمزية والوهمية والشكلية التي لا تتناسب مع الفعل، لذلك، فتعالي “حماس” على السلطة الفلسطينية يجب أن ينتهي، وكذلك صلف الحزب الإلهي في التعامل مع الفرقاء اللبنانيين، وادعاءاته بأن سلاحه يحمي لبنان ويحمي الشيعة ويردع إسرائيل.
تداول الإعلام اللبناني، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، صورة طفلين استشهدا خلال عملية اغتيال فؤاد شكر في الضاحية، وكان أغلب الشهداء الفلسطينيين من النساء والأطفال، وهذه نقطة خلاف جوهرية مع المقاومات الفاشلة، إذ يجب أن يكون المدنيون في الملاجئ والأنفاق بينما يتواجد المقاتلون والقادة فوق الأرض، فإجرام إسرائيل ليس محل شك ولا التباس، لكن هذه المقاومات تشاركها الإجرام من خلال الاستخفاف بأرواح المدنيين وإهمال تأمينهم، من أجل ذلك يستحق الرئيس الفلسطيني محمود عباس كل الاحترام على تصريحه: “لن نخوض الآن سوى المواجهة السياسية، لأن المواجهة العسكرية ستؤدي إلى مقتلة بين المدنيين، والسلطة لا تستطيع حمايتهم”.
إذا كانت المقاومات تظن أنها تقوم بواجب “الجهاد”، فغاية الجهاد في الإسلام هي النصر والحياة لا الدمار والموت، وهذه المقاومات التي تزعم انتسابها إلى الإسلام، تريد أن تلقي بنفسها إلى التهلكة وهذا حقها، ولكن أن ترمي بدول وشعوب إلى التهلكة فليس من حقها أبداً، بل جريمة نكراء يستحقون المحاسبة عليها.
كما قلنا في البداية، لا يسلك طريق الشرق من يريد التوجه إلى الغرب سوى الأحمق، وبما أن عملية “طوفان الأقصى” وملحقاتها لم تحقق أياً من أهدافها، فلا بد من إيقاف كل ذلك. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه بالكونغرس: “الحرب يمكن أن تنتهي غداً إذا استسلمت حماس وسلمت الأسرى”. وهذا ما يجب اختباره.
إن الخيار المجدي الذي يجب أن تمضي فيه “حماس” هو تسليم الأسرى والتفاوض على إنهاء الاحتلال ووقف دائم لإطلاق النار وتحرير ما تيسر من الفلسطينيين، والخيار المجدي الذي يجب أن يسير فيه “حزب الله”، هو الانسحاب إلى شمال الليطاني والالتزام بالقرار الدولي 1701 الذي اعتبره وقت صدوره في 2006 “نصراً سياسياً للمقاومة”، خصوصاً وأن الوسطاء الدوليين أبلغوا الحزب غير مرة في الأشهر الماضية بأن انسحابه من الحرب سيعني توقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي.
الناس أهم من الأنظمة والتنظيمات والقيادات. على “حماس” و”حزب الله” التواضع قبل كل شيء، ثم الاعتبار من مؤسس الجمهورية الإسلاموية الإيرانية روح الله الخميني حين أيقن من هزيمة بلاده ونظامه في الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988 وقال لشعبه: لقد تجرعت كأس السم.
نقلا عن grandlb