فقط نتانياهو يسعى لحرب اقليمية

جمال زقوت

منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، اتضحت صورة الحرب كونها حرب للابادة شاملة الأبعاد لتدمير كل مصادر حياة الناس في القطاع المحاصر بالنيران جواً وبحراً وبراً، بهدف شديد الوضوح وهو دفع الناس للهجرة القسرية لانعدام الأمل باستعادة ما يمكن الناس من البقاء. و طوال الأشهر العشر الماضية تمكنت الأطراف المساندة للمقاومة وكذلك واشنطن  من تفويت الفرصة على نتانياهو بمنع انزلاقها لحرب إقليمية لتوريط الولايات المتحدة، التي وقفت وتقف إلى جانب العدوان الاسرائيلي دون أي مواربة، ولكن دون الانجرار إلى توسيع دائرتها.

واشنطن لا تريد التورط في حرب اقليمية

فالولايات المتحدة التي وفرت الغطاء السياسي و”القانوني” لهذه الحرب، وأرسلت أساطيلها و أنشأت جسوراً جوية وبحرية لمد إسرائيل بكل ما تحتاجه من أسلحة وأموال، وانخرطت في محاولة شيطنة المقاومة الفلسطينية، قامت بكل ذلك ليس فقط بفعل التزامها الاستراتيجي بأمن إسرائيل وتفوقها العسكري الذي بات محل تساؤل خطير، إلا أن هذا الدعم والتواجد في مياه البحرين المتوسط والأحمر استهدف بطاقة حمراء لحلفاء ما يُعرف بمحور المقاومة الذي تقوده إيران كي تمتنع عن الانخراط بأقصى قدراتها في دعم المقاومة الفلسطينية، وبما يحد من وجهة نظرها من خطر الانزلاق نحو مثل تلك الحرب الاقليمية.

حرب استنزاف لإسناد المقاومة الفلسطينية

وبالمقابل، فقد تمكنت المقاومة اللبنانية من فرض قواعد اشتباك في سياق الموقف الإيراني، الذي لا يرغب إطلاقاً في الانخراط المباشر في هذه الحرب، واقتصارها على حرب استنزاف طويلة الأمد، تهدف لمنع هزيمة المقاومة الفلسطينية في القطاع، وكذلك الأمر بالنسبة للحوثيين و المقاومة العراقية، حيث حدد المحور بكل أطرافه بأن مشاركتهم الإسنادية تنحصر في وقف حرب الابادة ضد القطاع، وفتح معابره للإغاثة الإنسانية، وليس أكثر من ذلك .

حرب الاستنزاف تلك، والتي فشلت فيها إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، باستثناء عار ارتكاب جرائم الابادة وجرائم الحرب وضد الإنسانية . فقط نتانياهو وعصابة حكومته الفاشية هم من يرغبون باستمرار هذه الحرب، وهذا ما يُفسر تلاعب نتانياهو المستمر في امكانية التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، رغم إعلان بايدن لما عرف بمبادرته التي نسبها لإسرائيل، ورسَّمها في قرار لمجلس الأمن، الذي رحبت به المقاومة، ومع ذلك يواصل نتانياهو التلاعب بهذا الأمر، ضارباً بعرض الحائط المصالح الأمريكية سواء الانتخابية منها، أو تلك المتصلة بمصالحها في المنطقة، وجوهرها عدم انجرار واشنطن لحرب اقليمية، يعمل نتانياهو لتوريطها فيها، إرضاءً لمصالحه السياسيّة الشخصية للبقاء في الحكم، والإفلات من أي مساءلة على قضايا فساده أو مسؤوليته عما بات يعرف ” بفشل السابع من أكتوبر”.

مآرب نتانياهو في حرب الاغتيالات

في هذا السياق يُمكن تفسير لعبة نتانياهو ومغامرة تصعيده ، بُعيد زيارته لواشنطن، التي على ما يبدو، و رغم احتفاليته في كونجرس التصفيق، فقد سمع من المسؤولين فيها ويبدو لأول مرة كلاماً جدياً بضرورة وقف الحرب، ولكي يلوي عنق هذا الموقف، نفذ نتانياهو مغامرته الخطرة بالإقدام على اغتيال فؤاد شكر” السيد محسن” أبرز قادة حزب الله العسكريين، ومن ثم اللعب بالنار مع طهران باغتيال زعيم حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي القائد الوطني الكبير إسماعيل هنية، ليضع محور المقاومة برأسه وأطرافه أمام واقع إما تفكيك المحور للاستفراد بغزة، أو الرد على جرائمة التي مست سيادة وشرف ايران، وتجاوزت خطوط حزب الله باستهداف الضاحية الجنوبية في بيروت. بهذا المعني لم يعد أمام إيران سوى الرد، وليس فقط وفق قواعد الرد الرمزي على ضرب قنصليتها في دمشق، بل وربما باعادة تأكيد وحدة المحور الذي تقوده بتنفيذ ضربة منسقة مع أطرافه.

السؤال الذي ستجيب عليه الساعات القليلة القادمة هو إذا كان مثل هذا الرد سيتلوه رد اسرائيلي وبأي درجة؟ وهل ستكون واشنطن قادرة على احتواء ذلك أم لا ؟ فطبيعة الضربة، ومدى قدرة واشنطن على كبح جماح نتانياهو من خلال التدخل الأمريكي المباشر في صد هجمات طهران وأطراف المحور، سيقرران فيما إذا كانت المنطقة مقدمة على حريق كبير أم محدود ويمكن السيطره على نيرانه المشتعلة.

الوحدة شرط لانتزاع الحرية وتقرير المصير والعودة

في كل الاحوال، و رغم مركزية القضية الفلسطينية وحرب الابادة التي ما زال القطاع يعاني من ويلاتها، إلا أن مخاطر الحرب الاقليمية باتت تُغطي على ما يجري في القطاع، سيما في ظل غياب رؤية فلسطينية موحدة وخطة استراتيجية قادرة على ابقاء مسألة وقف الحرب على القطاع، ومواجهة حرب الضم والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس، في صدارة الاهتمام الدولي، واستثمار التحولات الهامة في الرأي العام الدولي، بما في ذلك خطر الحرب الاقليمية، لتطوير هذه التحولات إلى اجماع دولي شامل لانهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وتجسيد سيادته على دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود 1967، وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين بتنفيذ قرار 194 وقواعد القانون الدولي المتصله بها. من البديهي أن شرط تحقيق ذلك يكمن فقط بقيادة وحدة وطنية تضم الجميع تحت مظلة منظمة التحرير، وحكومة توافق وطنية انتقالية لمدة تمكنها من اعادة اعمار القطاع وضمان رفع الحصار عنه ،و عزل مخططات إسرائيل التوسعية لضم الضفة الغربية، والتحضير لانتخابات عامة شاملة لجميع مؤسسات الوطنية الفلسطينية الجامعة.

ما العمل لاستعادة الوحدة ؟

السؤال الأخير هو ما العمل أمام عدم استجابة القيادة المتنفذة للإرادة الشعبية التي طالما دعت إلى ذلك، وآخرها إعلان بكين الذي لم يجف حبره بعد، حتى بدأت الأطراف، التي لها مصلحة في استمرار واقع الانقسام في محاولة تقويضه . ومع ذلك فليس أمامنا من سبيل سوى محاصرة وعزل كل من يغذي الانقسام لانه في الواقع يغذي خطط نتانياهو ويساهم في مزيد من التضحية بالتضحيات غير المسبوقة من شعبنا في كافة أماكن تواجده وخاصة في قطاع غزة .

شاهد أيضاً