ردّ إيران وخلافات “حماس”!

بكر أبوبكر

كل العيون اليوم مركزة على شكل ردة الفعل من قبل دولة إيران على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي ل”حماس” رحمه الله، في قلب العاصمة الإيرانية ما شكل محاولة لإعادة الردع الإسرائيلي المفقود من جهة، ولطمة كبيرة لمتزعم محور”المقاومة والممانعة” في المنطقة، لا سيما أن القبول باللّطمة سيشكل إضعافًا لاستراتجية الردع الإيرانية عبر بوابات أربعة أوخمسة تستخدمها لصدّ أي عدوان محتمل على الجمهورية الاسلامية في إيران ومنها تنفذ الى قلب أمريكا وعقلها، كما يشير محدثي.
لم يعد هناك من شك بأن الرد قادم، فهو على ما يبدو ليس لأجل ذات الشهيد، وإنما لتعزيز هيبة ومسعى هيمنة امبراطورية، وليست ذات صلة مباشرة بالوضع الكارثي الفظيع في فلسطين وخاصة في غزة! كما يشير عديد المحللين والذين يفترضون أن الأهداف الامبراطورية الإيرانية تتخذ كل الاحتياطات عبر مركّباتها بالمنطقة لإثبات تفوقها وأهليتها لحكم المنطقة العربية أمام المهيمن العالمي الأمريكي. وبانتظار شعبي عربي قد يطول بحثًا عن تبلور محور عربي نضالي يدافع عن منطقته!
بغض النظر عن النظرة للنظام الإيراني تلك النابعة من مفاهيم تفترض استغلال الشيعية-السياسية أو القومية الإيرانية الامبراطورية، أو حقيقة التزعم لمحور سيحرر فلسطين، فإن امكانية الدخول في حرب شاملة بالمنطقة لا يريدها أحد من المهددين-المتقاتلين اليوم والذين يسعون “لعمل محدود” أكبر مما سبق وأقل من الانجراف نحو حرب، فيما أن النظرة قد تكون لمن يريد تحرير فلسطين سببًا مباشرًا لاعلان محور المقاومة الزحف لتحرير فلسطين.
بعيدًا عن تقييم الموقف الإيراني الذي يراهُ البعض حذرًا وحريصًا وثوريًا حين يصفه ب”الصبر الاستراتيجي”، فيما يراه الآخر منافقًا كما كانت الحال مع أصحاب “نظرية التوازن الاستراتيجي”! فاستراتيجية الهيمنة الامبراطورية على حبال الشيعية السياسية- كما يكمل لي القول محدثي القائد السياسي- وفي إعادة للهيمنة العبيدية الفاطمية على المنطقة، وأنها تأتي استكمالًا للحلم الصفوي المعادي منذ نشأته للدولة العثمانية في زمانها، فإن إيران على مسافة قصيرة من اتخاذ قرار مصيري لتحرير فلسطين! أو الاكتفاء برد محدود أكبر قليلا وأقل كثيرًا.
استشهاد اسماعيل هنية في إيران فتح الجرح داخل فصيل “حماس” الذي كانت خلافاته الكثيرة ولكنها المخفية على عكس حركة فتح التي تشتهر بعلنية خلافاتها وشدتها أمام الجميع فإنها وهي قد أخرجت كل قياداتها السياسية من غزة للخارج فلقد جعلت هيبة القيادة-بالخارج في حدها الأدنى في مقابل التركيز الجماهيري على الفعل الميداني، رغم تطبيلات الفضائيات للحزب بشموليته العالمية.
إن “حماس” التي تعاني من خلافات المحور الغزاوي والضفاوي، والداخل والخارج من زاوية داخلية وبين محور السلطة الحمساوية مقابل الميدان المشتبك هي ذاتها التنظيم أو الفصيل الذي تتنازعه المحاور الأقليمية مثل ذاك المحور الإيراني ذو اليد الطولى اليوم في عمق التنظيم ودلالته على عديد من قياداته بينما يحاول المحور الاخواني (التركي- القطري) والاخواني النظري ممثلًا بنواب المرشد أو القائمين بمهة المرشد في لندن أو اسطنبول على اختلافهم تشكل حقيقة التوزع الذهني والتنظيمي والمصلحي في عملية تعيين رئيس المكتب السياسي القادم.
لربما يتخذ فلان أو علان موقعه رئيسًا للمكتب الحمساوي (الأسماء تدور حول خليل الحية والسنوار وخالد مشعل أساسًا كما فهمت من محدثي، ولربما غيرهم). ولربما يكون الحل بقيادة جماعية مؤقتة او برئاسة مؤقتة ولربما يتخذ الضغط مداه فينجح بعبور بوابة الخلافات الداخلية العميقة وتأثيرات المحور الذي يقوم بدور المهيمن الأكبر لاسيما والدعم المالي والمعنوي والتهييج الاعلامي المؤطر لخدمة الفصيل، بغض النظر عن الآراء التي توجب على قياداته إعادة النظر بالتحالفات وافتراض أن الناس-الشعب الفلسطيني- هم الأولوية أما الفصيل فقد يخفت ضوءه او يسطع ولا قيمة له أمام الدم وديمومة النضال الذي سيفرزحتمًا قيادات أكثر وعيًا بحقيقة الأهداف.
مهما كان نوع الرد الايراني في ملف الضربة ضد الصهيوني الفاشي المعتدي ومهما كانت صيغة الحل داخل مكتب “حماس” السياسي، فعلى السياسي والكاتب الحر والمحلل ألا يتوقف عن نقد ممارسات ومواقف أي فصيل او دولة او شخص سلبًا او إيجابًا، وخاصة المواقف التي قد نراها بالاتجاه الخاطيء، فلا قداسة ولاحصانة ولا صواب مطلق لأحد حزبُا او قيادة اوشخصًا، فالسياسية احتمالات وبدائل ومصالح ومتغيرات منها ما يرتفع بالقضية، ومنها مَن أو ما يُلقي بها في غياهب الانحدار وسوء المآل حين يفشل القرار بالنظر لحقيقة المتغيرات والخيار الأفضل.

شاهد أيضاً