بصيصُ فجر مجدٍ يتسامى

ابراهيم ملحم

لم يكن التصفيقُ العاصفُ تحت قبة البرلمان التركيّ، أمس، احتفاءً بخطاب رئيس دولة فلسطين فحسب، إنما هو تصفيقٌ لقِيَمِ الحق والعدل والحرية، وللقِيَم الإنسانية، والقوانين الدولية التي يعتصمُ بها الحق الفلسطيني في صراعه الطويل مع الباطل، ونوازع التوسع، وأحلام السيطرة.
تصفيقُ ممثلي الشعب التركي هو ردٌّ على تصفيق مجلس النواب الأمريكي لجرائم القتل والمحو والحرق، في حرب الإبادة المستعِرة التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من الشهداء، وقطعت كل أسباب الحياة في القطاع الذي بات منطقةً غير صالحةٍ للحياة.
إعلانُ الرئيس الذهابَ إلى القطاع المضرّج بالدماء رسالةٌ تحملُ الكثيرَ من المعاني والدلالات، مثلما تقطعُ الطريقَ على”قُطّاع الطرق السياسية”، الذين يحاولون بالخفاء رسمَ ملامح “اليوم التالي”، غير عابئين بما يُكابده أهلُنا في اليوم الحالي الذي يتواصلُ فيه نقيعُ الدماء على امتداد الأرض، من رفح إلى جنين.
الذهابُ إلى القطاع خطوةٌ، وإن جاءت متأخرةً سبعة عشر عاماً، ونعرف أنها غيرُ متاحةٍ اليوم مثلما كانت بالأمس، تنطوي على أهميةٍ استثنائيةٍ بحمولتها السياسية ودلالاتها المعنوية لأهلنا في القطاع، ذلك أنّ من شأن التسريع بتنفيذها حقنَ المزيد من دماء أبناء شعبنا، وبعث الأمل في قلوب المحاصَرين وسط النار والدخان، بينما لا تتجاوز ردودُ الفعل الدولية التعبيرَ عن “القلق”؛ القلق الذي هو رخصةٌ للقتل يمنحها “القلقون”، العاجزون، المتواطئون مع القاتل المستبدّ، الذي يستجيبُ لدعواتهم بمضاعفة قلقهم الذي خبر ضعفه وهشاشته في كل جرائمه وارتكاباته على مدى سنوات الصراع.
رسائلُ البرلمان التركي جديرةٌ بأن تُحتذى من جميع البرلمانات العربية والإسلامية والعالمية، لإنصاف الضحية، وتعرية الجُناة، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب، مستفيدين من حالة غيبوبةٍ عالميةٍ تُشيعها الهيمنة الأمريكية.
رغم أنهار الدماء، وجدران الدخان التي تسد الأرض، ثمة بصيص ضوءٍ يشقّ سَخَم الليل نحو فجر مجدٍ يتسامى.
فلسطين تُبعَث من جديد.

شاهد أيضاً