أحاول من خلال هذا المقال الإجابة على سؤال مهم يشغل الجميع في زمن تصاعدت فيه وتيرة الحروب الحالية والمتوقعة وتوظيفات التكنولوجيا على اختلافها. وعليه فقد قمت بسؤال الذكاء الاصطناعي عن مدى توظيف هذا النوع من الذكاء لخدمة الإنسانية في زمن الحرب، خاصة في أوج استخدامه في حرب إسرائيل المستعرة على فلسطين، فكان الرد التالي:
في عصرنا الحديث، لا يمكن إغفال التأثير العميق للذكاء الاصطناعي (AI) على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الصراعات والحروب. فمن المؤكد أن أهمية الذكاء الاصطناعي تتزايد في ساحات المعارك، ولكنه أيضاً يثير تساؤلات جدية حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بشكل إنساني. فبينما يقدم الذكاء الاصطناعي إمكانيات جديدة للتخطيط والتنفيذ والتحليل في سياق الحروب، فإن كثافة توظيفه في القتل والتنكيل لا تعطي الانطباع بأن لهذا النوع من الذكاء وجهاً إنسانياً، وعليه ستظل الأسئلة الأخلاقية حول تأثيره على الإنسانية قائمة.
تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في الحروب الحديثة، من حيث تحليل البيانات الكثيرة إلى تطوير أنظمة الأسلحة الذكية. فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل البيانات بسرعة ويستخلص الأنماط التي قد تكون خفية عن البشر، مما يعزز القدرة على اتخاذ القرارات الاستراتيجية والعمليات العسكرية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين دقة الهجمات وتجنب الأهداف غير العسكرية، وهو ما يمكن أن يقلل من الأضرار الجانبية والخسائر البشرية.
لكن هناك جانباً آخر لهذه التكنولوجيا يتطلب اهتماماً خاصاً. فإلى جانب الفوائد العسكرية، يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب تساؤلات أخلاقية وإنسانية. فقد يساهم في زيادة الأتمتة في الحروب، مما يقلل من الحاجة إلى التدخل البشري المباشر، وقد يؤدي هذا إلى قرارات تُتخذ بناءً على خوارزميات قد لا تأخذ في الاعتبار القيم الإنسانية الأساسية.
من بين التحديات البارزة هو «الأسلحة المستقلة». فهذه الأسلحة، تعمل باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف وتنفيذ الهجمات دون تدخل بشري مباشر، يمكن أن تثير قلقاً حول المساءلة في النزاعات المسلحة. ففي حال ارتكبت هذه الأسلحة أخطاء أو أسفرت عن أضرار غير متوقعة، من سيكون مسؤولاً عن تلك الأفعال؟ هذا التحدي يعزز الحاجة إلى إطار قانوني وأخلاقي صارم ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب.
وعلى الجانب الإنساني، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً إيجابياً في تحسين الاستجابة الإنسانية وتخفيف معاناة المدنيين. يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين نظم الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية، مما يسمح بالتخطيط والاستجابة بشكل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تقديم الرعاية الصحية والإنسانية للمجتمعات المتضررة، من خلال تحليل البيانات الصحية وتقديم التوصيات للأطباء.
الذكي في الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي هو ضمان تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية. يجب أن تكون هناك ضوابط واضحة وأخلاقيات صارمة تحكم استخدام هذه التكنولوجيا لضمان عدم استخدامها بطرق تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان أو التسبب في معاناة غير ضرورية.
للتعامل مع التحديات الأخلاقية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في الحروب، يجب أن تتعاون الدول والمنظمات الدولية لوضع تشريعات تضمن الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا. يجب أن تشمل هذه التشريعات مبادئ واضحة حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في النزاعات المسلحة، بما في ذلك معايير دقيقة للحد من الأضرار الجانبية وحماية المدنيين. كما يجب أن تكون هناك هيئات مستقلة لمراقبة التزام الأطراف بتلك القوانين والتأكد من تطبيقها بشكل فعّال.
في نهاية المطاف، يشكل الذكاء الاصطناعي أداة قوية في الحروب، لكن استخدامه يطرح تساؤلات كثيرة حول القيم الإنسانية والأخلاقيات. إن التقدم التكنولوجي يجب أن يقترن بمسؤولية أخلاقية لضمان أن لا تكون له تأثيرات سلبية على الإنسانية. من خلال تطوير أطر قانونية وأخلاقية واضحة ومراقبة فعّالة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحسين الأوضاع الإنسانية وتقليل المعاناة في أوقات النزاع.
الإجابة بصراحة لم تكن شافية، لذلك سأحتاج إلى مقال آخر الأسبوع المقبل للاستفاضة في البعد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي . ننتظر ونرى!
كاتب فلسطيني
s.saidam@gmail.com