في 8 فبراير من عام 2007، وبعد سنين من الاقتتال وسفك لدماء الفلسطينيين، اتفق الجانبان الفلسطينيان المتقاتلان ـ «فتح» و«حماس» ـ على توقيع اتفاق مكة المكرمة برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وتم تقديم الدعم المالي اللازم للأطراف المتنازعة، لضمان تنفيذ الاتفاق، وقد شارك في المباحثات كل من محمود عباس ومحمد دحلان من حركة فتح، وإسماعيل هنية وخالد مشعل من حركة حماس، وتم الاتفاق على أربعة قرارات:
1 ـ وقف ومنع سفك الدم الفلسطيني، وتوحيد المواجهة ضد الاحتلال، وذلك بتبنّي لغة الحوار لحل الخلافات السياسية.
2 ـ تشكيل حكومة وحدة فلسطينية.
3 ـ تفعيل وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتسريع عمل اللجنة التحضيرية وفقاً لتفاهمات القاهرة ودمشق.
4 ـ تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الفلسطينية، والتأكيد على قاعدة التعددية السياسية.
ورغم أجواء التفاؤل الكبيرة، التي سادت المؤتمر، والدعم القوي من قبل الأطراف الداعمة، فإن التوتر بين الطرفين المتنازعين ظل قائماً، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى قامت حركة حماس بالانقلاب على السلطة، وفرضت سيطرتها على قطاع غزة، رغم صلاتهم ودعائهم أمام الكعبة المشرفة، وكأن اتفاق مكة لم يكن. وتمر السنين، وتأتي الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية في عام 2009، التي عرفت في ما بعد «بالورقة المصرية»، والتي جاء بعدها اتفاق القاهرة عام 2011، لتنفيذ ما اتفق عليه سابقاً، ولكن من دون نتائج مجدية، وتمضي الأيام، ويأتي اتفاق الدوحة عام 2012 برعاية أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والذي وقعه محمود عباس نيابة عن «فتح»، وخالد مشعل نيابة عن «حماس»، بهدف تسريع وتيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية، ثم جاء اتفاق الشاطئ عام 2014، وسمي بمؤتمر الشاطئ، بسبب عقد جلسات الحوار في منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ في غزة، واتفق خلاله المجتمعون على تشكيل حكومة توافق فلسطينية، على أن يعقبها بستة أشهر إجراء انتخابات لتشكيل حكومة جديدة، إلا أن ذلك لم يحدث، واستمر الانقسام وتبادل الاتهامات بين الطرفين كالعادة. في أكتوبر من عام 2017 جاء اتفاق القاهرة، حيث اتفق الطرفان على تمكين حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمدالله من تولي كل المسؤوليات في قطاع غزة، وأن يتولى الحرس الرئاسي الإشراف على المعابر ومعبر رفح الحدودي مع مصر، و«تيتي مثل ما رحتي جيتي»، وظل الانقسام كما كان. ونصل إلى عام 2024، و«حباً بالتيس الغريب» كما يقول المثل، توجهت الفصائل الفلسطينية المتنازعة إلى بكين عاصمة الصين، لتوقيع اتفاق جديد بينها، لعل وعسى هذه المرة «تزبط يا زلمة»، بعد ما رأوه من فضائع الجيش الإسرائيلي، وحرب الإبادة التي يشنها على غزة وأهلها الأبرياء ليل نهار، بعد هجوم 7 أكتوبر، الذي نفذته حركة حماس.
ختاماً: لم يعد هناك من يصدق ويتفاءل بـ«إعلان بكين»، الذي تم الاتفاق عليه من قبل الفصائل الفلسطينية، فهم لم يلتزموا باتفاق مكة المكرمة، الذي وقعوا عليه في أطهر بقاع العالم، ولم يلتزموا بـ13 اتفاقاً وقعوا عليها خلال السنوات الماضية، فهل سيلتزمون باتفاق بكين، «خاصة إذا كان مكتوباً باللغة الصينية» لزوم الفركشة؟ والله من وراء القصد، والرحمة لمحمد مساعد الصالح صاحب المقولة.