فيما يغرق اللبنانيون في كنف العتمة الدامسة، تتوزع اهتمامات اصحاب السلطة، بين مماحكات لإيجاد أضحية تعلق عليها شماعة المسؤولية، عما يجري في دهاليز وانفاق وزارة الطاقة، التي فاقت انفاق “حزب الله” عمقا وتشعبا وتفننا، لتبرئة ذمة الحكومة من سرقة الشعب اللبناني. فيما الجميع يعرف ان رجال السلطة، متكافلون ومتضامنون في السراء والضراء، عندما يتعلق الأمر بتمرير المحاصصات وتوزيع المكاسب. ووزارة الطاقة تشكل مصدر التمويل الأساسي منذ عقود.
أما نتيجة هذا التواطؤ، فتبدأ بسرقة أموال الشعب وحرمانه من حقوقه المشروعة، ولا تنتهي بالتسبب بتلوث غير مسبوق، يغطي سماء البلاد، ناشراً السموم ومعها جميع مسببات السرطان الذي يهدد بإصابة لبناني واحد من كل 3 لبنانيين. في الوقت الذي فقد فيه اللبناني مقومات الضمان الصحي، وفقد أمواله الخاصة، حتى للحصول على الخدمات الطبية على حسابه.
في هذا الوضع المزري، لا تزال مشاريع الهدر على قدم وساق.استمعت مؤخرا الى آراء وشكاوى بعض المواطنين للبرامج الاذاعية المباشرة، اشار البعض انه فيما كان ماراً قرب قصر العدل فوجئ بانهم يقبعون بلاط الرصيف لاستبداله دون سبب. وكنت قد لاحظت الامر نفسه عندما مررت قرب كورنيش المنارة منذ عدة ايام، كانوا ايضا يقتلعون البلاط ليستبدلوه بآخر.
وحكاية تبديل بلاط هذا الكورنيش لا تنتهي، فهو يستبدل بشكل روتيني من حين الى آخر ولا نفهم موجبات التجديد!! أما اللماذا؟ فالسر عند البلديات والمقاولين الذين ترعاهم وتوفر لهم الصفقات المجزية.
مواطن آخر يبدو انه يتابع اخبار مدينتي Cannes وNice، لاحظ ان هناك من صوّر صفاً طويلا من السيارات الفخمة، على أحد شواطئ نيس والاكثرها فخامة، وهي سيارات يبدأ سعر ارخصها من ربع مليون دولار وما فوق؛ وتبين انها للبنانيين. وعندما حاول عدد من هؤلاء المتابعين، البحث عن اصحاب هذه السيارات الفارهة على موقع وزارة الداخلية، التي يعطي اسم صاحب الرقم وعنوانه، ليعرفوا هويتهم، قامت الوزارة باقفال الموقع. لماذا؟ فلشو وجع الراس؟ كشف هوية هؤلاء المسؤولين او هوية ابنائهم او زوجاتهم او عشيقاتهم، وبالتالي تعلن اسماءهم للعلن ويبدأ القيل والقال او المتابعة وسؤال من نوع، من اين لك هذا؟
مع اننا اعتدنا ان كل فضيحة تغطي عليها أخرى جديدة، وأن لا فرق، ولن ينتج أي محاسبة، سواء جرى التشهير بهم، او رفع دعاوى عليهم أو غير ذلك. فمعظم انواع المساءلات مصيرها النسيان، كما لو انها رميت في نفق من هذه الانفاق، التي تخترق باطن ارض لبنان طولاً وعرضاً.
اما نواب الأمة، سواء كانوا ممن يطلق عليهم لقب “تغييرين” أو “معارضين”، فشغلهم الشاغل تأمين اعادة انتخابهم للدورات المقبلة، ليتحفونا بالمزيد من نجاحاتهم. وكأن المزيد من الأمر نفسه سيشكل فرقا!!
الباقي من النواب الكرام، مشغولين بالتغطية على صفقات ومحاصصات اسيادهم، وعلى تأمين استمرار مصادرة حقوق المواطنين، كالتي تؤمنها حكومات أفقر الدول من افريقيا الى آسيا، من الذين يصدرون لنا عمالتهم.
بعد كل ذلك يطلع علينا وزير الطاقة بنظرية لم يسبقه اليها أحد، ويفتخر في أننا نصدّر الكرامة لبلدان العالم. لكنه لم يخبرنا، هل يصدر كل كمية الكرامة التي نملكها؟ فيتركنا كما هي حالنا دون كرامة؟ وهل يرسل معها بعض الفساد وبعض الفقر وبعض العتمة والقليل من التلوث، مصحوباً ببعض حالات من السرطان، علّ نسبة الإصابة به تخف لا تظل هي الأعلى في العالم!!
في هذا الوقت، وربما لإنتاج ما نقص من الكرامة، يقوم الحزب الذي يغذّي نار الحرب، التي يهددنا بها بنيامين نتنياهو وجنرالات جيشه، بالوقود اللازم. فيطلق رزمات الصواريخ، لتشغيل سلعة الكرامة كما تفعل بطاريات ليثيوم، تدوم وتدوم.
ان ما يطلبه اللبناني من وزيره السوبر وزملائه الميامين، ان يعيدوا لنا كرامتنا التي داسوها تحت أقدامهم.
عن جنوبية