إن خطة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الجديدة، هي أقرب ما تكون بصك استسلام منها لصفقة عادلة تنهي حرباً وتحقق سلاماً في فلسطين.
هذا بحسب وجهة نظر البعض، لكن من المستبعد أن توافق عليها حركة حماس كما يصرح بذلك كبار قيادييها.
وهنا لابد من وضع نقاط جولة الوزير الأمريكي الأخيرة في المنطقة، على حروف اللقاءات التي أجراها في تل أبيب والدوحة والعلمين، لاسيما وأنه تمسك بنبرة رئيسه جو بايدن المتفائلة، لكن دون أي بصيص أمل يعيد الثقة بين الأطراف المتصارعة.
أولاً: ربما كان التصعيد الإقليمي هو أنسب ظرف تتحرر فيه غزة من الهجوم الإسرائيلي عليها، أقله بحسب إيران ومليشياتها المسلحة، لكن هل تتغير الحسابات الدولية في هذا الصدد؟ ، الجواب ببساطة لا، لأن الخرق اتسع على الراتق كما يقول المثل.
ثانياً: كل الحروب سيئة كما يقول العقلاء، لكن هذه الحروب قد تكون أحياناً طريقا وحيداً للتخلص من النزاعات وسبيلاً أمثلاً للتسويات الكبرى، و هذا ما يجب على المرء رؤيته، فحتى مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، لم يوقف عجلة التفاوض بين إسرائيل والفصائل في غزة برعاية الوساطة العربية والأمريكية.
ثالثاً: ولنفرض جدلاً أن الحرب في غزة انتهت وتم تبادل الرهائن والإفراج عن بعض السجناء الفلسطينيين، يبقى السؤال: هل تحررت القدس؟ وماذا استفادت القضية الفلسطينية من هذا التهور؟، كما يقول سكان غزة المنكوبون، فهناك آلاف الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن، وآلاف المعوقين والجرحى، وآلاف المنازل المدمرة.
رابعاً: من المؤكد أن إسرائيل لم تخسر شيئاً كبيراً يسقط كينونتها، فالمال والسلاح الأمريكي يتدفقان بغزارة نحو إسرائيل، وهذه معضلة كبيرة يتوجب أخذها بعين الاعتبار، فالجمهوريون كما الديمقراطيون متفقون على دعم إسرائيل بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة أحياناً.
خامساً: لكن حسابات إيران لا تزال قيد مسار الصبر الاستراتيجي أي (عدم الرد) أو التبلّد اللانهائي، وحزب الله له حساباته كذلك ، ولن يخرج عن قرار طهران، والحوثيون اختاروا الصمت المطبق ، فكيف سيحصل التصعيد الإقليمي، طالما اختار اللاعبون مغادرة الملعب والذهاب لغرفة تبديل الملابس، ببساطة شديدة، الأزمات تراوح مكانها.
سادساً: ومن قال أن مهاجمة إسرائيل غاية العرب ومنيتهم، إن آخر حرب مع إسرائيل كانت في سبعينيات القرن الماضي ، وقتها لم تكن هناك دولة فلسطينية، والآن هناك دولة فلسطينية رسمياً لديها رئيس ومقر داخل فلسطين، ومعترف بها في جامعة الدول العربية، ولا يمكن تجاوز قيادة هذه الدولة، و أي تجاوز يعني انعدام سيادتها.
سابعاً: المليشيات التابعة لإيران لا علاقة لها لا بفلسطين ولا بالتحرير، هي بالمحصلة تنفذ ما يتم إملاؤه عليها من قبل الحرس الثوري، وحتى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وجد نفسه الآن مجبراً أو مختاراً، للسير ضمن سياسة إيران القائمة على أساس منهجية الحرس الثوري الإيراني، مجلة تتبع مباشرة لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.
وخلاصة ما أود إيصاله للقارئ الكريم، أن كلام الإدارة الأمريكية الآن غير منطقي، وجهودها غير ملزمة، والذي يتم الحديث عنه أمام وسائل الإعلام ربما يكون بعيداً كل البعد عن الواقع السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية، نتيجة تبعات ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولعل نتنياهو نفسه، يحاول كسب الوقت لمعرفة من سيأتي إلى البيت الأبيض رئيساً بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.