الحشد الأمريكي «أبعد من الردع» وأقل من الحرب

علاء الدين حافظ

تكثف الولايات المتحدة من عمليات الحشد العسكري في المنطقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

 

سفن حربية وحاملات طائرات وجنود من قوات المارينز يزداد عددهم من وقت لآخر في المنطقة.

هذا الأمر أصبح يتزامن مع التصعيد الراهن على مختلف الجبهات، باعتباره أحد تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

الحشد الأمريكي لم يكن وليد الشهر الجاري أو الشهر السابق له، بل بات استراتيجية تقترب من عام كامل.

كيف يمكن قراءة هذه الاستراتيجية الأمريكية في ضوء تنامي مساحة وأثر هذا التواجد؟ هل يمثل ذلك إشارات قوية على إمكانية انخراط أمريكا في مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تنخرط إذاً، خصوصًا وأن المنطقة في بعض الفترات كانت قاب قوسين أو أدنى من “الحرب الشاملة”؟ إذا لم تكن هناك نية أمريكية للانخراط في مواجهة مسلحة، لماذا هذا الحشد؟

ثنائية قطبية مُعدلة
معظم الأحداث على الخريطة العالمية متشابكة الأهداف بصورة نسبية. لا يمكن التعامل مع توترات الشرق الأوسط بعيدًا عن الحرب الروسية-الأوكرانية، ولا بمعزل عن الصدام المرتقب بين الصين وتايوان.

أمريكا هي القاسم المشترك فيما يشهده العالم، باعتبارها “القطب الأوحد” منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

ومع بداية الألفية الجديدة، هناك تخوف أمريكي من الصعود المتنامي للصين. هذا الهاجس ينبع من الرغبة الأمريكية في الاستمرار كالقوة العظمى الوحيدة لأطول فترة ممكنة.

بالتزامن مع الصعود الصيني، هناك أيضًا العملاق الروسي “المُتفكك”. بكين وحدها لن تستطيع مزاحمة واشنطن على زعامة العالم، إذ تحتاج في سبيل ذلك إلى التحالف مع روسيا لهز العرش الأمريكي. بمعنى ظهور ثنائية قطبية بشكل مختلف (الصين – روسيا) في مقابل أمريكا.

ما سبق يشير إلى أن استدراج روسيا إلى المستنقع الأوكراني كان هدفه الأساسي تحييدها عن الصين. هذا ما يفسر تحول كييف إلى ثقب أسود في قلب القارة الأوروبية.

بعد انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، بدأت الولايات المتحدة “التحرش” بالصين عن طريق إعادة أزمة تايوان إلى الواجهة، في محاولة لاستنزاف بكين.

قد يرى كثيرون أن ما سبق ليس له علاقة بالحرب الإسرائيلية على غزة. إطلاقًا.. الخطوط متشابكة بصورة وثيقة. كيف ذلك؟ أمريكا استدرجت روسيا للحرب في أوكرانيا، وهي تتحسب جيدًا لعدم انجرافها إلى الحرب في الشرق الأوسط، خاصة في ظل التقارب الروسي-الإيراني بعد اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية في قلب طهران.

واشنطن لن تسقط في هذا الفخ، لأن ذلك يعني ترك المجال واسعًا أمام العملاق الصيني.

وفي وقت ما – أراه قريبًا – ستتخذ قرارًا بوقف الحرب حتى لو كان ثمن ذلك الإطاحة بحكومة نتنياهو.

هناك أيضًا عوامل أخرى لابد من وضعها في الحسبان، منها تكبد واشنطن فاتورة باهظة نتيجة تدخلها عسكريًا في العراق وأفغانستان، إذ كلفتها الحربان ما بين 4 إلى 6 تريليونات دولار، من حيث الرعاية الطبية والتعويضات، ورغم ذلك لم تحقق النتائج المرجوة. أضف إلى ذلك ارتباطها بشبكة علاقات ومصالح معقدة مع جميع الدول في المنطقة، بما فيها إيران، والتدخل العسكري قد يعقد هذه العلاقات ويؤدي إلى تصعيد غير مرغوب فيه.

نهاية وشيكة للحرب
ما دام الأمر كذلك، لماذا إذًا الحشد؟ ببساطة، أمريكا لا تبحث عن الردع بقدر حاجتها إلى إدارة الصراعات في المنطقة بما لا يتعارض مع مصالحها. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار عودتها إلى الشرق الأوسط بعد فشل تقديرات الخروج من المنطقة. من هنا تأتي أهمية الحشد العسكري، حيث يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. الولايات المتحدة تسعى إلى موازنة النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة. إيران تمثل تهديدًا كبيرًا للمصالح الأمريكية وحلفائها في الخليج العربي وإسرائيل، لذا تساهم القوات الأمريكية في ردع أي تحركات إيرانية محتملة. كما تدعم أمن حلفائها في المنطقة، الذين يعتمدون إلى حد كبير على الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي لمواجهة التهديدات الإقليمية. ويهدف الحشد العسكري أيضًا إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي،ومنع نشوب نزاعات كبرى قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي وأمن المنطقة.

كما تسعى أمريكا إلى مواجهة النفوذ الصيني والروسي، والحفاظ على التفوق الأمريكي في الساحة الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى لضمان استمرار تدفق النفط والغاز الطبيعي من المنطقة إلى الأسواق العالمية، ومنع أي تهديدات أو اضطرابات قد تؤثر على إمدادات الطاقة.

بيت القصيد.. أمريكا تعي خطورة الانخراط في مواجهات عسكرية مباشرة في الشرق الأوسط. إذا كانت حماية إسرائيل “مهمة” لأي إدارة أمريكية، فإن المصالح الأمريكية إقليميًا ودوليًا “أكثر أهمية”.

واشنطن منحت إسرائيل وقتًا أكثر من اللازم لتحقيق أهدافها العسكرية في غزة. والانتصار العسكري الإسرائيلي في مواجهة حماس أبعد ما يكون وفقًا لقادة إسرائيليين.

قبل الانتخابات الأمريكية، ستضع هذه الحرب أوزارها مهما كانت النتائج النهائية.

*كاتب صحفي مصري

شاهد أيضاً