لماذا تركز إسرائيل هجماتها على شمال الضفة ؟

فتحي أحمد

منذ زمن، يشهد شمال الضفة الغربية موجة اعتداءات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تركزت حملات الاحتلال على المخيمات الفلسطينية في جنين ونابلس وطولكرم، وأكثرها تركيزاً الاعتداءات والحملات المتكررة في جنين وقراها. فالزائر لمدينة جنين يلاحظ تلاصق الحدود بين مدينة جنين ومدن الداخل في 48، هذا بحد ذاته يشكل مصدر قلق للاحتلال منذ أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية عام 1967، وهذا في العلم العسكري يسمى الخاصرة الرخوة لحدود دولة الاحتلال.

وينبغي أن نبدي إدراكا أكثر، أن الاحتلال مستمر في تقويض نشاط الفصائل الفلسطينية المسلحة في جنين وطولكرم ونابلس من أجل القضاء على محاولات الفصائل شن هجمات مسلحة على داخل عمق فلسطين التاريخية، وهذا ينسحب أيضا على طولكرم فهي مدينة حدودية، فضلاً عن قلقيلية التي يفصلها عن حدود دولة الاحتلال شارع لا يتجاوز عرضة 20 متراً.

علاوة على ذلك، إسرائيل وبجانب توفير الأمن لسكانها في الداخل، ترى أن مدينة جنين بحد ذاتها موقع مهم له ميزات عديدة، بجانب كما ذكرت تقوية خاصرتها الرخوة، فهي تسعى للسيطرة على مقدرات المدينة وما حولها من قرى، فهي امتداد لسهل مرج بن عامر الغني بمصادر المياه والتربة الخصبة. هذا بحد ذاته صيد ثمين للاحتلال، كما تعتبر جنين سلة الغذاء الفلسطيني بعد الأغوار التي تشكل ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية. وإسرائيل لديها خطط في الضفة الغربية تسير بشكل متواز مع ما يجري في غزة. لقد فتحت إسرائيل جبهة غزة، وجبهة الضفة الغربية في آن واحد، علماً أنه في الأبجديات الأمنية والعسكرية لأي جيش ودولة، تنتهج تلك الدول التي تخوض حروباً وهجمات ضد جيرانها أسلوب تبريد جبهات وتسخين أخرى، وتقوية الجبهة الداخلية، وهذا ما لا يحدث اليوم في إسرائيل. لقد قامت دولة الاحتلال بفتح جبهتين في نفس الوقت. ورغم أن الجبهتين ترهقان دولة الاحتلال، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي ماض في توسيع جبهة الحرب حتى لو كلفه ذلك خسارة جنوده في غزة والضفة الغربية.

ما يجري في الضفة الغربية لا يبدو حرباً استباقية، فالصورة أقرب إلى القضاء على الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، وبالتحديد شمالها. الموضوع يكمن في السيطرة المطلقة على الضفة الغربية، ومصادرة مزيد من الأراضي لأغراض استيطانية. يكمن الخوف والقلق فيما يروج له الاحتلال وهو جزء من الحرب النفسية بأن ما بجري في غزة سوف يجري في الضفة الغربية، “نصرت بالرعب”. هذا النهج لربما الهدف منه هو النيل من عزيمة ومعنويات سكان الضفة الغربية، وفي نفس الوقت تضغط إسرائيل كثيرا منذ 7 أكتوبر على سكان الضفة الغربية اقتصادياً، وهي تمنع ما يقارب ربع مليون عامل فلسطيني من الوصول إلى أماكن عملهم في الداخل الفلسطيني، بهذا تكون إسرائيل قد شنت حرباً شاملة على الضفة الغربية فضلاً عن محاصرة المدن والقرى الفلسطينية من خلال نصب الحواجز على مداخل القرى والمدن، وعمل بوابات حديدية الغرض منها إغلاقها وفتحها متى يشاء جيش الاحتلال، هذا الحال ينذر بمخطط خطير أعد سلفاً ويدفع باتجاهه بشكل كبير اليوم حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.

أما البعد المتعلق بإرهاب المستوطنين، فقد أطلق الاحتلال الإسرائيلي يد المستوطنين لكي يعيثوا في الضفة الغربية الإرهاب والخوف، من خلال ما تقوم به عصابات المستوطنين من شمال الضفة إلى جنوبها من اعتداءات متكررة على المواطنين، وتطورت في الفترة الأخيرة ظاهرة إطلاق النار على الفلسطينيين وقتلهم. هذا التنوع في الإرهاب يؤسس لمرحلة تالية، وهو زيادة الضغط وهو جزء من مخطط ترحيلي لسكان الضفة الغربية، فالخلاصة أن ما يقوم به نتنياهو ليس فقط لإطالة بقائه في الحكومة، لكن هنالك بعد أكثر خطورة، وهو يعمل ضمن مخطط بات مكشوفاً وهو السيطرة على الضفة الغربية بالكامل.

بعد كل ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية هل أصبح حل الدولتين في حكم الموت؟

هذا ما يعمل عليه نتنياهو المعروف بحديته في التفكير والقرار التسلطي حتى على قادة الأمن، فهو مدعوم سياسياً من التطرف الديني في إسرائيل، فالضفة الغربية كما ذكرت في مقالة سابقة جزء أصيل من التوراة، على حد زعمهم، فالسيطرة على غزة والضفة الغربية يأتي ضمن مخطط وهو ما يسمى بـ” إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات المشروع الكارثي. أما الخطورة الأشد اليوم للأسف أن كل العرب يشاهدون من يحدث في غزة والضفة دون أن يحركوا ساكناً، لكن عليهم أن يدركوا بأن الدائرة سوف تدور عليهم. حتماً الأمر لا يقف عند هذا الحدّ كما يجري اليوم في الضفة، وغزة، والقدس، هذا ليس تحليل، وإنما ما ذكرته توراتهم المحرفة “في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع أبرام قائلاً: سأعطى نسلك هذه الأرض، من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات، أرض القينيين، والقنزيين، والقدمونيين، والكنعانيين والحثيين.

……………..
ما يقوم به نتنياهو ليس فقط لإطالة بقائه في الحكومة، لكن هنالك بعد أكثر خطورة، وهو يعمل ضمن مخطط بات مكشوفاً وهو السيطرة على الضفة الغربية بالكامل.

شاهد أيضاً