مقولة لكل دولة زمان ورجال، يكرسها الواقع، فالزمن والواقع يختلف بأدواته واقطابه ورموزه والمؤثرين فيه، ولو نظرنا للماضي القريب جدا، زمن إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب 2017/2021 لرأينا أبرز المؤثرين في حكمه، هم اليهود الصهاينة صهره جارد كوشنير، وغرين بلات، ديفيد فريدمان، مايك بومبيو، الذين ساهموا بشكل مباشر في صناعة القرار الأميركي في ملفات عديدة، أبرزها ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وساهموا مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ومن خلف ستار الملياردير الصهيوني شيلدون اديلسون بطرح صفقة القرن المشؤومة، وتقزيم الحقوق والمصالح الفلسطينية الى الحد الأدنى، وضم الجولان السورية العربية، وغيرها من القرارات المعادية للشعوب العربية عموما، والشعب الفلسطيني خصوصا. ومع تولي إدارة بايدن الديمقراطية الحكم، ورغم ان الغالبية منها يهود صهاينة، بما في ذلك الرئيس الأميركي الحالي (ليس يهوديا لكنه صهيوني جيد، وفق إعلانه عن موقفه) غابت تلك الشخصيات عن المشهد، ليحل محلهم شخصيات أخرى بقماشة جديدة، لكنه نفس الثوب الصهيوني الاستعماري.
بعض هذه الشخصيات عادت للظهور مجددا، مع اعلان الرئيس السابق ترامب ترشحه للانتخابات الرئاسية الحالية تشرين ثاني/ نوفمبر 2024، وأول من ظهر كان كوشنير، عندما دعا لإبادة غزة، والسيطرة على شاطئها ونفطها وغازها الثلاثاء 19 أذار/ مارس الماضي، وتبعه بعد غياب لا بأس به أول أمس 3/ أيلول / سبتمبر الحالي السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل، ديفيد فريدمان الصهيوني المستوطن الى المشهد الإعلامي، وبتصريح ينضح وحشية وعدصرية عندما دعا الولايات المتحدة بعد فوز ترامب، الى السيطرة على مليار دولار أميركي من المساعدات الفلسطينية لإسرائيل كي تضم الضفة الفلسطينية، متناغما مع مريم اديلسون، زوجة الملياردير الراحل شيلدون الداعم الرئيس لنتنياهو وأركان حكومته النازية، التي التقت مع المرشح الجمهوري في 4 حزيران / يونيو الماضي واقترحت عليه، ان تكون أكبر متبرعة في حملته الانتخابية للعودة للبيت الأبيض، شرط دعمه ضم إسرائيل للضفة الفلسطينية.
وفي كتابه الجديد بعنوان “دولة يهودية واحدة: الامل الأخير والأفضل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، من المقرر ان يكون صدر أول أمس الثلاثاء، كتب السفير الأميركي الأسبق “ستحتاج إسرائيل إلى مساعدة مالية لتأكيد والحفاظ على سيادتها على يهودا والسامرة”، وهو يقصد الضفة الغربية، ويقترح فريدمان أن الإدارة الجمهورية القادمة والكونغرس يمكنهما إعادة توجيه مليار دولار من المساعدات الحالية للفلسطينيين، بما في ذلك الأموال المخصصة لقوات الامن الفلسطينية، لتمويل خطة الضم. حسب وكالات انباء أميركية عديدة. وقال فريدمان انه لم يناقش فكرة الضم مع المرشح الجمهوري للرئاسة، لكنه يعلم علم اليقين، ان قرينه في الإدارة الأميركية السابقة، كوشنير دعا لمواصلة الإبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعرضت المليارديرة اديلسون تمويل حملة ترامب مقابل الموافقة على ضم الضفة في حال فوزه وعودته الى البيت الأبيض.
ولا أخالني مبالغا او متطيرا، إذا ما أكدت ان الرئيس السابق سيعود لمواصلة صفقة القرن، التي وقع عليها في 28 كانون ثاني / يناير 2020 دون انتظار اقتراح السفير الأميركي الأسبق. وكان شرع بتنفيذها في 6 كانون اول/ ديسمبر 2017 عندما أعلن اعترافه بالقدس العاصمة الفلسطينية، عاصمة ابدية لإسرائيل في 6 كانون اول / ديسمبر 2017، ثم نقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس في أيار / مايو 2018، وما تلاها من خطوات تهودية لأراضي دولة فلسطين المحتلة، واستباحة الحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية، وانسحب من مجلس حقوق الانسان ومنظمة اليونيسكو لدعمهم الحقوق الفلسطينية.
وهذا ما أكده ترامب بشكل مباشر في اعقاب لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو وزوجته ساره في فلوريدا في 26 تموز / يوليو الماضي، عندما قال “أفكر في كيفية توسيع أراضي دولة إسرائيل. لأنها صغيرة، ولا تظهر في الخارطة”. وبالتالي المرشح الجمهور جاهز ومستعد للمضي قدما في خيار صفقة القرن، والحصول على الدعم من مريم اديلسون وغيرها من المنظمات الصهيونية. وبالتالي لا يحتاج لأفكار فريدمان.
لكن ما تضمنه كتاب وموقف السفير الأميركي يوم الثلاثاء الماضي، وقبله مستشار ترامب للشرق الأوسط يعكس ما ينتظر الشعب والقضية والقيادة الفلسطينية من هجوم أميركي من الجمهوريين أو الديمقراطيين في حال فاز أي من المرشحين. لان التباين بينهما محدود وشكلي جدا، وهو ما يتطلب من القيادة الشروع بوضع خطة هجومية للدفاع عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني. لان خير وسيلة للدفاع، هو الهجوم المنظم والواعي والشجاع، والبعيد عن الشعارات الغوغائية والعنتريات.