ما كان من مجزرة العصر في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت إبان الخروج الفلسطيني الثوري والمقاوم من لبنان إلا فضيحة مدوية للقوى العربية والدولية التي أدارت ظهرها للثورة الفلسطينية وهي المتاجرة بالدم الفلسطيني، ودلالة على فساد هذه القوى العالمية وكذبها، وهي التي كانت قد أعطت المواثيق والعهود المشددة على حماية المدنيين كافة مع خروج الفدائيين من لبنان عام 1982م الى المهاجر ثم فلسطين.
لم تغب ذكرى المجزرة الرهيبة عن أذهان الناجين، ولا عن أذهان الكل الفلسطيني، خاصة اليوم وفي ظل تكرار “مجزرة صبرا وشاتيلا” بشكل يومي فاضح في داخل قطاع غزة الفلسطيني (2023-2024م)، لتصبح الكتابة عنها سنويًا بما يشبه طقس من طقوس الذكرى الخالدة، وتنسم مفاهيم الانسانية وضرورات اعتناق مفهوم الحرية والعدالة والاستقلال وأن الحق لا يموت.
كانت المجزرة التي نفذتها ثلة من العصابات المحلية بالدعم الإسرائيلي الكبير على مدار أيام ثلاثة الا أيقادًا لشعلة الإبادة وقتلًا لمفهوم الإنسانية بكل معانيها، وإخراج كل معاني الحقد والكراهية والقسوة بل والتلذذ بذلك من إعماق أعماق النفس الانسانية المظلمة، لذلك كان التنقل للعصابات المجرمة بين أزقة المخيمين الصغيرين باستخدام جميع أنواع الأسلحة البيضاء وغيرها في مواجهة الأطفال والنساء وكبار السن ليُذبحوا كالخراف دزن أدنى إحساس او ضمير –حتى اليوم-فيما قوات “أرئيل شارون” الصهيونية تضيء ليل المخيم لتحوله الى نهار بعد أن كانت قد سبقت المعتدين من عصابات المجرمين الانعزاليين بالفعل الإجرامي.
في الأعوام اللاحقة على المجزرة، لاحظت أنه لم تغب هذه الذكرى السنوية الأليمة وشدة التأثر عند كل أحرار العرب والعالم وبالطبع عند الفلسطيني وليس الناجين من المجزرة فقط، وفي إطار المقاومة الفلسطينية وكل قادتها خاصة أبوعمار وجورج حبش ونايف حواتمة…. فكتب عنها الكثير، وما أشبعته رواية باب الشمس للراحل اليوم الأديب العربي اللبناني الكبير إلياس خوري رحمه الله.
كان للذكرى حضور طاغٍ بشكل عام، ومن تجربتي أنها كانت حاضرة دومًا في ذهن من عملت معه لفترة خصيبة، أي في ذهن المفكر والقائد هاني الحسن-أبوطارق الذي كان يقود المفاوضات مع اللواء سعد صايل، وهما معًا عضوا اللجنة المركزية لحركة فتح مقابل المبعوث الامريكي فيليب حبيب للخروج من بيروت آنذاك. إذ لطالما عبّر أبوطارق في لقاءاته معنا -إبان تسلمه للعلاقات الخارجية لفتح ثم لمفوضية التعبئة والتنظيم في فلسطين- عن شديد تشككه بكلام الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا، وقناعته بزيف العهود والمواثيق الأمريكية من زاوية ما حصل واستقر بذهنه في المجزرة، وما تجلّى لاحقًا بآرائه السياسية التي منها رفضه الثقة بهذه الدولة “العظمى” فيما أصدره من كتيب الخروج من مأزق اوسلو-العودة الى الينابيع.
في أحدى المرات الأليمة التي تحدث فيها هاني الحسن (1938-2012م) عن المفاوضات مع فيليب حبيب المبعوث الامريكي لبيروت وعن المجزرة، قال أبوطارق أنه التقى فيليب حبيب بعد سنوات وسأله نفس السؤال الذي يخامرنا أي كيف سمحت امريكا ذات العهود والمواثيق المشددة لحماية المدنيين بحصول المجزرة؟ فأين مصداقية أمريكا؟ فقال أنه ردّ عليه بما لا يصدق!؟ إذ قال له حبيب: ألم تعلم بعد أن الدول العظمى تكذب!
يقول أحد الناجين من المجزرة الأخ ماهر فاخوري في شهادته اليوم 16/9/2024م: “بُقرت بطون الحوامل قبل أن يُقتلن، وعُذبت النساء، واختطف الشباب، الذين لم يعرف مصيرهم حتى كتابة هذه الكلمات، وحتى الحيوانات لم تسلم من سكاكينهم…”.
أذهلت مجزرة صبرا وشاتيلا العالم لاسيما ومشاهد الأشلاء المتناثرة للرجال والنساء والأطفال والملقاة بالطرقات والأزقة-كما نشاهد الامر اليوم في كل صبح ومساء في داخل قطاع غزة المكلومة-فأصبحت الذكرى قادحة الزناد لتذكرعشرات المجازر في فلسطين منذ القدم الاستعمارية الأولى في فلسطين أوائل القرن العشرين ثم فترة العدوان الصهيوني لاحتلال فلسطين تحت اسم النكبة بالعامين 1947-1948 حتى قرار الامم المتحدة بالجمعية العامة بقيام دولة فلسطينية تجاور دولة يهودية على أرض فلسطين، حتى تكرار المجزرة يوميًا الآن في فلسطين والقطاع.إنها ذكرى حيث نسيان النسيان فيما نراه يوميًا ولا يتوقف!
اليوم في ذكرى 42 لمجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة تتجدد في قطاع غزة المجزرة ذاتها كل يوم!؟ والقوى الدولية التي وعدت بحماية المدنيين في صبرا الاولى لا تفعل شيئًا في صبرا وشاتيلا الدموية المتكررة كل يوم. أوقفوا العدوان!