السياسي – لا يتفق جميع السياسيون في الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة الاستمرار في دعم أوكرانيا في وجه الحرب الروسية، فبينما يفضل الجمهوريون التفاوض مع روسيا، يؤيد الديمقراطيون دعم أوكرانيا.
ونشرت صحيفة “ذا هيل” تقريرًا يوضح أن الحرب في أوكرانيا تؤثر بشكل مباشر على السياسة الأمريكية وتفاقِم الانقسام السياسي فيها؛ حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهوريين يفضلون التفاوض مع روسيا، بينما يؤيد الديمقراطيون الاستمرار في دعم أوكرانيا.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير إن محاولة الاغتيال الثانية للرئيس السابق دونالد ترامب كانت على يد مسلح أعرب سابقًا عن استعداده للقتال والموت في أوكرانيا، وهذا يؤكد أن هذه الحرب لا تؤثر على السياسة الأمريكية والسياسة الخارجية فحسب، بل تؤثر أيضًا على النسيج الاجتماعي في البلاد.
لقد ساعدت الحرب على ترسيخ الاستقطاب السياسي في المجتمع الأمريكي باعتبارها إحدى القضايا التي تقسم الأمريكيين على أسس حزبية.
ووفقًا لأحد الاستطلاعات، فإن 66 بالمائة من الجمهوريين يفضلون دفع كييف إلى التفاوض مع موسكو، في حين يفضل الجزء الأكبر من الديمقراطيين (62 بالمائة) دعم أوكرانيا مهما طال الزمن. ويمتد هذا الانقسام الحزبي في السياسة الخارجية حتى إلى التصورات حول البلد الذي يمثل الخصم الرئيسي لأمريكا: فالجمهوريون أكثر قلقًا بشأن الصين، بينما تمثل روسيا القلق الرئيسي للديمقراطيين.
وأكدت الصحيفة أن الولايات المتحدة لعبت دورًا حاسمًا في تمويل المعركة الأوكرانية ضد روسيا؛ فقد وافق الكونغرس على ما يقرب من 175 مليار دولار من المساعدات العسكرية وغير الدفاعية، لكن المساعدات الأمريكية لم تغير شيئًا في مجرى الحرب؛ حيث لا تزال روسيا تحقق مكاسب بطيئة ولكن ثابتة في شرق أوكرانيا.
ويُعد احتياج أوكرانيا إلى مجندين جدد لتجديد صفوف قواتها المستنزفة أحد الأسباب الرئيسية في ذلك، ولكن حتى ممارسات التجنيد الإجباري الصارمة لم تعوض النقص المتزايد في قواتها.
وقد كشفت الحرب أيضًا عن بعض أوجه القصور العسكرية الغربية، بما في ذلك عجز الصناعة الأمريكية عن إعادة إمداد أوكرانيا بالأسلحة والذخائر الحيوية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحرب تنطوي أيضًا على تكاليف خفية، والتي تشمل التضخم المتزايد في الداخل، فقد أظهر استطلاع للرأي أن 49 بالمائة من الأمريكيين يؤيدون إجراء مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا حتى لا تزيد التكاليف على الأسر الأمريكية أكثر من ذلك.
وقد كان الدولار الأمريكي يواجه “تآكلًا خفيًا” قبل الحرب الأوكرانية، لكنه يواجه الآن تحديًا أكثر علانية نتيجة لهيمنته العالمية، وذلك استجابة لاستخدام الغرب للتمويل كوسيلة ضغط ومصادرة أرباح روسيا من قبل الحكومات الغربية. ومع استكشاف الدول لبدائل للدولار، بدأ الأخير يفقد بعضًا من نفوذه العالمي، خاصة في أسواق النفط.
وفي نفس الوقت؛ قامت البنوك المركزية في العديد من البلدان بشراء الذهب بشكل متزايد كاستراتيجية للتحوط، وقد أدى ذلك، إلى جانب زيادة عدم اليقين الجيوسياسي، إلى رفع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي.
وأضافت الصحيفة أن التكاليف الخفية للحرب الأوكرانية تمتد أيضًا إلى المجال الجيوسياسي، وخاصة فيما يتعلق بتقويض قدرة الولايات المتحدة على الاستجابة للتحدي الأكبر الذي تمثله الصين.
فالصين تشكل تهديدًا أكبر بكثير من روسيا للمصالح الغربية والنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. إن طموحات روسيا تقتصر إلى حد كبير على دول الجوار، لكن الصين تسعى إلى أن تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأولى في العالم. والصين تملك أيضًا وسائل القيام بذلك: فاقتصادها أكبر من اقتصاد روسيا بحوالي 10 أضعاف، وإنفاقها العسكري يفوق إنفاق روسيا على جيشها بأربعة أضعاف.
بالإضافة إلى ذلك؛ تشارك الصين حاليًا في أكبر عملية حشد عسكري في وقت السلم في التاريخ؛ فقد ضاعفت ترسانتها النووية منذ سنة 2020، كما أنها تعمل على زيادة قواتها التقليدية بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية.
ولفتت الصحيفة إلى أن آخر ما يريده الرئيس الصيني شي جين بينغ هو إنهاء الحرب الأوكرانية، لأن ذلك سيسمح للولايات المتحدة بالتركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تُعتبر منطقة حرجة ستحدد ملامح النظام العالمي المقبل. وتتركز النزعة التوسعية للصين في هذه المنطقة، من بحر الصين الشرقي والجنوبي، إلى مضيق تايوان، وصولًا إلى جبال الهيمالايا.
وأفادت الصحيفة بأن الولايات المتحدة تخصص اهتمامًا وموارد غير كافية لمواجهة التوسع الصيني، كما تواصل تعزيز النفوذ العالمي للصين دون قصد، وذلك من خلال الإفراط في استخدام العقوبات ضد مجموعة من الدول.
وفي ظل استنزاف مواردها العسكرية بسبب انخراطها في الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط؛ تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع موازنة أكثر واقعية لأهدافها الجيوسياسية الرئيسية، وهو ما يأتي في وقت يعتقد فيه غالبية الأمريكيين أن قوة بلادهم تتراجع على الساحة العالمية. فبدون إعادة هذا التوازن؛ فقد تفشل الولايات المتحدة في ردع الصين عن مهاجمة تايوان أو تعزيز محور إستراتيجي مع روسيا، تمامًا كما فشل بايدن في ردع روسيا عن غزو أوكرانيا.
وشدد الموقع على ضرورة أن تواجه الولايات المتحدة الحقيقة التي مفادها أنه على الرغم من المساعدة العسكرية الغربية الكبيرة، فإن كييف ليست في وضع يمكنها من طرد روسيا من الأراضي التي احتلتها في شرق وجنوب أوكرانيا. وأن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ كروز غربية بعيدة المدى لضرب أهداف داخل عمق روسيا، مع الاستفادة من البيانات الملاحية الأمريكية وغيرها من التكنولوجيا، لن يؤدي إلا إلى زيادة خطر حدوث نزاع مباشر بين الناتو وروسيا.
والأهم من ذلك أن استمرار الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة ليس في مصلحة الولايات المتحدة، لكن إنهاء الحرب يتطلب الحوار والدبلوماسية، وهو ما تجنبه بايدن في تعامله مع موسكو.
وأوضحت الصحيفة أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي سعى، في خضم التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا، إلى التوسط من أجل وقف إطلاق النار. وبعد زيارته لموسكو وكييف، سيطلع مودي بايدن على جهوده في صنع السلام خلال لقائهما في القمة الرباعية المقرر في 21 أيلول/ سبتمبر في ويلمنغتون بولاية ديل. ومن دون الدعم الكامل من الولايات المتحدة، لن يتمكن مودي، الذي من المقرر أن يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرة أخرى الشهر المقبل في قمة قادة دول البريكس، من تحقيق تقدم كبير.
واختتمت الصحيفة تقريرها مشيرة إلى أن أي تحول محتمل في السياسة الأمريكية نحو دعم وقف إطلاق النار قد يتعين أن ينتظر نتائج انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر. ونظرًا لأن التوصل إلى اتفاق من خلال التفاوض هو السبيل الوحيد لوقف الحرب، فإنه من الأفضل السعي لتحقيق ذلك في وقت مبكر، وليس بعد مرور أشهر أو سنوات من إراقة المزيد من الدماء والدمار.