لن نيأس ونفقد ثقتنا بلبنان. ونطلب الرحمة للشهيد حسن نصرالله ولرفاقه الذين سقطوا، من أجل قضية آمنوا بها، بعد ان تُركوا لمصيرهم في دفاعهم عن تلك القضية، وبعد ان وُرّطوا بحرب اسناد لم تسند أحداً. بعض الشيعة يشبّه مقتل السيد نصرالله بمقتل الحسين، تخلوا عنه بعد ان بايعوه. سيشعر الشيعة بعده بالضعف لثقل الخسارة، وسيحملون اسطورته كما الذين سبقوه. رمزاً شيعياً على غرار الشهداء الحسينيين.
دخل الحزب في هذه المعركة، دون ان يتحسب لمدى الصدمة، التي غيرت اسرائيل والاسرائيليين، بعد 7 اكتوبر. فلسان حال كل اسرائيلي الآن الأخذ بالثأر، و “يا قاتل يا مقتول”. توحد الشعب الاسرائيلي خلف نتنياهو الذي استعاد مجده ويمارس الانتقام الاجرامي دون حدود.
اصبحنا على مفترق طرق خطير، لأن ما جرى ويجري ليس أقل من نقطة تحول على مستوى المنطقة ككل. وستمتد تأثيرات الحدث بعيداً، على سير المعارك مع اسرائيل، وعلى قدرة محور الممانعة على الاستمرار.
بالنسبة للداخل اللبناني، هي لحظة مراجعة وطنية شاملة لكل الأفرقاء الذين ساهموا، سواء عن سذاجة وحسن نية أو عن سوئها، في وصولنا الى هذا الانهيار الشامل، الذي استغلته إسرائيل كي تمارس اجرامها وتبث الشائعات وتثير الفتنة. مما قد ينعكس على العلاقات بين مكونات الداخل اللبناني، متسببا بتداعيات يصعب التكهن بها.
الخطر على لبنان يتمثل، بالاضافة الى الغارات الاسرائيلية التي تمعن اغتيالاً وقتلاً وتدميراً، بالمليون مهجر قسري، ومنهم من لا يزال يفترش الطرقات. لا يكفي كل ما تبدى من تضامن وتعاطف معهم من قبل غالبية الشعب اللبناني. لا يمكنهم ان يلبوا جميع احتياجاتهم. انه دور الدولة، بعد ان عجز الحزب عن حمايتهم.
من هنا التعويل سيكون على ردود فعل القوى السياسية مجتمعة، في اعلان هيئة إغاثية فعالة، يتوقف عليها النجاح في معالجة قضية التهجير وإعادة المهجرين الى قراهم بأسرع ما يمكن. إن مستقبل العلاقات بين المكونات اللبنانية والسلم الأهلي واستعادة الوحدة الوطنية، يتوقف على ذلك. من هنا ضرورة العودة الى الشرعية اللبنانية، والاسراع بتطبيق القرار 1701 بكل السبل الممكنة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية اعتماداً، وإعادة الأواصر مع المحيط العربي.
لذا يجدر بالقيادات التي تعرف بالسيادية، مكافحة مشاعر الشماتة والتشفي او الانتقام بين محازبيها. أما تلك التي تعرف بالممانعة، فلتمتنع عن الاستفزاز والتشبيح. اسرائيل متأهبة لاستغلال أي شرخ بين اللبنانيين.
المطلوب ضبط النفس ورباطة الجأش، والعمل على لملمة الوضع الداخلي وتوطيد الوحدة الوطنية. فوحدتنا هي التي تحمينا. ما جرى يمثل نافذة تسمح لنا بتحويل المأساة الى فرصة، ومناسبة لمراجعة الذات ووضع الخلافات جانبا، واتخاذ قرارات وطنية تحفظ لبنان وتعيد بناء وحدته الداخلية.
ومن أولى المهام المطروحة على المسؤولين والسياسيين، فك الارتباط عما يجري في الاقليم، مع التشديد على رفض كل هيمنة من أي دولة اجنبية على القرار الوطني.
وذلك يتطلب إنشاء جبهة وطنية جامعة هدفها الوحيد، توحيد كلمة وموقف جميع المجموعات السياسية تحت عنوان: لبنان وطن سيد، حر ومستقل ومحايد.
انها مسؤولية من يتولون المهام الدستورية، على المستوى الأمني والسياسي، ان يستغلوا ما يحصل لدعم الدولة العادلة، يكون الجميع فيها متساوين وتحت سلطة القانون، يحترمون الدستور ويحرصون على تطبيقه. الأمن لا يكون الا بتسليمه للجيش اللبناني حصرياً؛ لا شرعية إلا شرعية جيشنا الوطني.
مصلحة لبنان، والولاء للبنان أولوية تعلو على كل ما عداها.