التصعيد في الشرق الأوسط والسيناريوهات المتوقعة

حسام الدجني

توجّه إسرائيل بات واضحاً لكافة الأطراف المنغمسة بملف الصراع العربي الإسرائيلي، والذي يقوم على قاعدة حسم الصراع مع الفلسطينيين بدل إدارة الصراع عبر ضم أجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، وصولاً إلى تغيير الواقع القانوني للمقدسات الإسلامية والمسيحية بما يحقق توجهاتهم الدينية بإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وتطهيره من دنس العرب عبر حرق البقرات الخمس الحمر التي جلبها المستوطنين لحرقها وذر رمادها في باحات المسجد الأقصى. وصولاً إلى تطبيق رؤية شمعون بيريز بهيمنة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط عبر التأسيس لشرق أوسط كبير وجديد تكون إسرائيل الكيان المهيمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً عليه.

وفقاً لما سبق، فإن القرار الصهيوني لتنفيذ توجهات تل أبيب الاستراتيجية يتطلب توجيه ضربة عسكرية مؤثرة للمقاومة الفلسطينية التي تشكل عائقاً أمام توجهات إسرائيل، وهو ما دفع المقاومة للذهاب نحو توجيه ضربة استباقية في السابع من أكتوبر/2023م، طوفان الأقصى، والتي دخلت لبنان واليمن والعراق على خط الإسناد لغزة بعد سلسلة جرائم إبادة جماعية ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

لم ينجح الوسطاء الدوليون والإقليميون في دفع تل أبيب للقبول بمقررات مجلس الأمن، وبمخرجات عشرات الجلسات من المفاوضات لوقف إطلاق النار، بسبب تعنت نتنياهو الذي يرى أن انحياز الغرب الأطلسي لتل أبيب لا حدود له، ما دفعه لرفض الوساطات بل ذهب نحو تصعيد متعدد الجبهات في اليمن ولبنان آخرها اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.

في ضوء التصعيد الإقليمي في المنطقة فإن أهم السيناريوهات المحتملة على النحو التالي:

مشهد انسحاب الوفود من مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال خطاب نتنياهو، يعكس حجم الرفض الدولي لسياسته، وأنه سبب المشكلة في المنطقة التي تنذر بشبح الحرب الشاملة، وهو ما دفع أيضاً السعودية لتبني مبادرة تشكيل تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين. وهو جهد دبلوماسي لتعرية الموقف الإسرائيلي الحقيقي وانحياز واشنطن له من حل الدولتين. هنا نكون أمام ثلاثة سيناريوهات:

سيناريو الحرب الشاملة:
في تقديري هو الأكثر ترجيحاً، انطلاقاً من 3 أسباب:

استعادة إسرائيل قوة ردع بعد نجاحها في اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران وحسن نصر الله ورفاقه في قلب الضاحية وهذا يتطلب إعادة التوازن بالردع عبر توجيه ضربة قوية في قلب غوش دان، وهو ما يجر لرد مقابل وتتدحرج كرة الثلج نحو تعزيز المواجهة الشاملة.
* الجميع بات يدرك أن الوقوف على الحياد سيمنح إسرائيل جرأة وقوة للاستمرار في مزيد من التدمير والهيمنة على العديد من العواصم العربية والإسلامية. وأن اتخاذ قرار جماعي للمواجهة قد يكون أقل كلفة من أن تترك إسرائيل تعبث في كل منطقة على حدة وسط دعم لا متناهي من واشنطن.

*  عدم قدرة مجلس الأمن على إنفاذ قراراته يؤسس لمزيد من العنف بالمنطقة.

سيناريو التصعيد المنضبط:
جوهر هذا السيناريو الحفاظ على قواعد اشتباك من طرف حزب الله وهذا مرجح من طرف الحزب بعد إدراك الجميع بأن الأولوية الآن لدى الحزب ترتيب صفوفه وتنقيتها من أي اختراقات أمنية كانت سبباً في نجاح إسرائيل بالوصول إلى قيادات الحزب في مقدمتهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في المقابل التوجهات الإسرائيلية تضعف هذا السيناريو انطلاقاً من قراءة تل أبيب أن هذه البيئة مناسبة لاستعادة الردع وتوجيه ضربات عبر مزيد من القصف والاغتيال وعدم الرضوخ للجهود الدولية بوقف الحرب في غزة، وهو ما سيدفع الحزب للرد والمواجهة التي تعزز السيناريو الأول.

سيناريو الحل الدبلوماسي:
تعمل العديد من الأطراف التي تدرك تداعيات الحرب الشاملة على الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وما هي حدود هذه الحرب وتداعياتها وأطرافها تعمل عبر المسار الدبلوماسي على إيجاد مقاربة سياسية لوقف اطلاق النار، وفي تقديري بعد نجاح إسرائيل في اغتيال نصر الله فإن شهية تل أبيب تجاوزت كافة الحلول الدبلوماسية ومن الصعب بعد كل هذه الخسائر أن تنجح تلك الجهود. إلا إذا أدركت واشنطن مخاطر التصعيد واتخذت قراراً باتاً لإجبار تل أبيب على الرضوخ للجهود الدولية، وهذا قائم ولكن باحتمالات أقل.

الخلاصة:

إن التصعيد بالمنطقة وفي القلب منه الحرب على قطاع غزة قد يأخذ المنطقة نحو صدام وتوتر يعزز من سيناريو الحرب الشاملة، وإن تشير الأحداث حتى اللحظة أنها ما زالت بعيدة، ولكن ربما حدث واحد كبير ممكن أن يفجر الأوضاع، ويجر دول ومنظمات وشعوب للانخراط بالحرب، ويعزز ذلك تعارض مصالح القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، والتي لا يمكن أن تبقى بعيدة لو توسعت رقعة الحرب وأصبحت تل أبيب في خطر ما.

شاهد أيضاً