هل انتصرت التكنولوجيا على الأيديولوجيا؟

عبدالجليل السعيد

إن ما جرى ويجري في لبنان بين حزب الله وإسرائيل يجعل المرء أمام مفاجآت من العيار الثقيل، لا يمكن لمتتبع الأحداث أن يتوقعها قبل أيام، لأنها شديدة الوقع على تصور المراحل القريبة المقبلة.

 

نتيجة صراع محتدم، جعل جميع الخيارات على الطاولة متاحة، ولفهم ذلك كله لابد من التوقف عند النقاط التالية :

أولاً: مقتل حسن نصر الله زعيم مليشيا حزب الله جاء في إطار معادلة إسرائيلية تقوم على مبدأ {التصعيد لخفض التصعيد} ، إضافةً إلى اعتماد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية على منطق الخديعة، حين قرر السفر إلى نيويورك لإلقاء كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مانحاً قيادة حزب الله فرصة للاعتقاد أن إسرائيل لن تقدم على ضربة كبيرة في لبنان بهذا الحجم ورئيس وزرائها خارج البلاد، ليدعو حسن نصر الله كبار قيادات حزبه للاجتماع في المقر الرئيسي للحزب بشكل تقليدي وجهاً لوجه، وتأتي طائرات سلاح الجو الإسرائيلي وترمي ٨٠ قنبلة أمريكية مرعبة لم تستعمل في الحروب من قبل.

ثانياً: تعامل حزب الله مع إسرائيل بأمر من إيران منذ بداية ما سماه الحزب (جبهة الإسناد لغزة) بطريقة غير صحيحة أبداً، حين ظن حسن نصر الله أن الجبهة لن تدوم إلا بضعة أيام، وفي أسوأ الأحوال شهراً أو شهرين ، لكن إسرائيل رأت فيما حدث بسبعة أكتوبر/تشرين الأول الماضي تهديداً وجودياً لها. وسخرت كل مقدراتها لحرب موسعة طويلة الأمد، من أجل استعادة هيبة الردع التي أسقطها يحيى السنوار مهندس ما يعرف بطوفان الأقصى

ثالثاً: كان بنك الأهداف الإسرائيلي داخل بنية حزب الله مغرياً جداً، فأجهزة الأمن الإسرائيلية كانت تراقب الحزب الذي تدخل في الحرب السورية، وجمعت معلومات مهولة، وفاجأت الحزب بضربات نوعية اعتمدت فيها على التكنولوجيا بمواجهة الأيديولوجيا التي تعشش في رؤوس أغلب عناصر حزب الله.

وكان الحزب يتعامل مع إسرائيل بمنطق عسكري قديم جداً، لا يأخذ بعين الاعتبار حجم التغيير الحاصل في أسلوب الحروب الحديثة، ومجزرة البيجر كماً سماها نصر الله في خطابه الوداعي الأخير خير شاهد على ذلك.

رابعا: أياً كان من سيخلف حسن نصر الله على رأس قيادة حزب الله ، فإنه من الصعب سد الفراغ الكبير الحاصل، وسواء اختار مجلس شورى الحزب، هاشم صفي الدين ابن خالة نصر الله وصهر قاسم سليماني، أو غيره، فإن الشعارات التي ترتفع هنا وهناك لن تكون ذات قيمة في مجابهة إسرائيل المتعطشة الآن لإنهاء أسطورة حزب الله ، بعد قتلها خلال أسبوع واحد قيادات الصف الأول والثاني بهجمات مركزة على الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق اللبنانية

خامساً : قد لا يطوي مقتل حسن نصر الله صفحة حزب الله إلى الأبد ، لكن بدون شك تم طي صفحة حافلة لزعيم حزب الله نصر الله الذي عملت إيران على مدى ثلاثة عقود على إسناد مشروعها التوسعي في المنطقة له ، وصنعت منه شخصية محورية في مفاهيم العمل المليشياوي وإسقاط الدولة الوطنية والاتجار بالمخدرات وصناعة الخلايا الإرهابية في دول متعددة.

أخيراً وليس آخراً .. اللحظة الحاسمة في لبنان الآن على وجه الخصوص مرتبطة بمعطيات استعادة الدولة التي سقطت في براثن حزب الله منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي قتله حزب الله بحسب المحكمة الجنائية الدولية، ومهما يكن من أمر فإن الأثمان الباهظة التي يدفعها المدنيون في لبنان ، قد توازي ما دفعه الإنسان الفلسطيني في غزة ، مع ذهاب إسرائيل لخيار الاجتياح البري.

العين الاخبارية

شاهد أيضاً